قيمة الحرية في الإسلام

خلق الله الإنسان محررا في عقيدته من سيطرة الخرافات والجهل، فكل إنسان حر في معتقداته وإراداته ما دامت لم تخل بملامح المجتمع الذي يحيا على أرضه، أو تمس أُطره العامة والخاصة، والحرية في الإسلام ركن فيه، وسياج يحمي أفراده جميعًا، وينظم العلاقة بين أفراده، القائمة على الاحترام والالتزام بالحقوق العامة والخاصة قبل المطالبة بها.

وأثبت الإسلام أن الشخص حر في تحديد مواقفه فليس الإنسان كالريشة في مهب الريح لذا فهو محاسب على أعماله ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، فله الاختيار وليس مجبراً.

كفل الإسلام الحرية في التصرفات المالية فلا حجر على أحد في ماله ومنع المعاملات المالية التي تضر بالآخرين.

كفل الإسلام حرية العقود فالأصل في العقود الإباحة ويجب الوفاء بها.

كفل الإسلام حرية النكاح فالأصل أنه لا أحد يجبر على النكاح لا يجبر الرجل على الزواج من امرأة لا يريدها ولا تجبر المرأة على زوج لا تريده.

كفل الإسلام حرية المأكل والمشرب فالأصل في الأطعمة الحل إلا التي تضر بالبدن ضررا حسيا أو معنويا

كفل الإسلام حرية الملبس الذي لا يترتب عليه مفسدة.

كفل الإسلام حرية التعبير وجعل الصدع بالحق أمام الظلمة من أعظم مراتب الجهاد.

كفل الإسلام حرية الأمة في اختيار من يحكمها فمن شروط انعقاد البيعة رضا الأمة واختيارها.

 كفل الإسلام حرية الدين فلا يلزم أحد بدين الإسلام فيترك لغير المسلمين الخيار في الدخول في الإسلام من عدمه يقول ربنا تبارك وتعالى ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ

وقد كفلت الشريعة الإسلامية للأفراد – على اختلاف معتقداتهم – مقاصد خمسة، وهي: حفظ الدين والعقل والمال والنفس والنسل، والشارع الحكيم – سبحانه وتعالى – شرع لنا سنن الهدى، وبين لنا الحكمة والقرآن، وأرشدنا سبلَ السلام، فمن أخذ بها فقد رشد وهدِي إلى صراطٍ مستقيم، ومن أعرض عنها فقد ضلَّ وغوى، فالإسلام دين شامل يتناول مظاهرَ الحياة جميعا.

فحرية العقيدة مكفولة للجميع في ظلال الإسلام، شرطَ عدم المجاهرة أو الدعوة لغير الإسلام، أو التبشير لدينٍ غيره على أرضِه وتحت سلطانه؛ قال تعالى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : 256].

فمن أُكْرِهَ على الدخول في عقيدة ما، فهو في حل منها حتى يدخل فيها مختارا أو فلْيَدَع، وهذه الآية تتعلق بأحكام الدخول في الإسلام والدعوة إليه دونما إجبار أو إكراه، فهذه حريةٌ في الاختيار وهو ما زال على شاطئ الأمان، أمَا وقد اختار الإسلامَ والدخولَ فيه – طائعًا غيرَ مُكره – وجب عليه القيامُ بمقتضيات الدِّين وفروض العقيدة، واحترام أطر المجتمع المسلم ومبادئه، والعمل على الحفاظ على ملامحه العامة وخصائصه وسماته، ومن فعل ذلك فقد استمسك بالعُروة الوثقى، ويمَّم وجهَهُ الوجهةَ المثلى.

والإسلام جاء محرِّرا للعقول والقلوب، فربى الأمة على استقلال النفس والقلب، واستقلال الفكر والعقل، واستقلال الجهد والعمل، وملأ أرواحَهم الوثابة بجلال الإسلام وروعة القرآن، وصفَّ أقدامهم تحت لواء الحقِّ، ونظم العلاقة بين البشر وخالقهم، فالعبودية لله وحده لا شريك له، والحاكمية له – سبحانه وتعالى – ووضَّح العلاقة بينهم وبين نواميسِ الكون، فعملوا على تسخيرها لخدمة الدين ورعايةِ المصالح، وعلِموا سننَ الله في الأمم والجماعات من النشوء والتمكين، والنصر والهزيمة، والأفول والانزواء، فقامت خيرُ أمة أخرجت للناس على دعائم العدل والإحسان والحرية ورعاية الحقوق، وانساحوا في الأرض يعمرون ويشيدون بناء أمة على دعائم العلم والعمل والجهاد المثمر الحكيم، فكانت أستاذةَ الأمم، علمت الناس كيف العيش في ظلال الإسلام والحرية المسؤولة، التي هي مناط التكليف، والطاردة للعبث الفكري المتطاول على ثوابت الأمة المحتوية كل ذي فكر بنَّاءٍ يسعى للإصلاح والصلاح، ولهداية البشر وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدُّنيا والآخرة.

وهكذا قررتْ المعاهدة التي وضعها رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – قبل ألفٍ وأربعمائة سنة حريةَ العقيدة وحرية الرأي وحرية الوطن، وحرمة الحياة وحرمة المال وتحريم الجريمة، واعتبار المصلحة الوطنية رباطا قوميا بين المواطنين.

لقد قامت الشريعة، وتكونت الأمة، وقامت الدولة، وكانت منارةً على غير نسق سابق، حتى استحقتْ أن تكون معلمةَ الدنيا، وكانت ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران : 110]، ولا ينقصنا – نحن – لأن نعيد دولةَ الحرية والعدالة والخيرية، سوى الإرادة والعزيمة والنفوس الكبار.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى