مكانة كبار السن في الإسلام
رحلة عمر الإنسان تبدأ بالضعف وتنتهي إليه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54]، وها هو نبي الله زكريا عليه السلام يناجي ربَّه في خلوته، ويشكو إليه ما حلَّ به من ضعفِ قوَّة وشيب، فيقول: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4].
والمسن يعيش حالة اجتماعية ونفسية خاصة، تتطلب وعيا وحذقا ودراية بوضعيته، حتى نتمكن من تحصينِه وحمايته من هذه الوضعية الشديدة الخصوصية والخطورة؛ حيث إن المسن في هذه المرحلة يكون في حاجة إلى خدمات مادية، وإحاطة نفسية شديدة الدقة، وذلك حسب الحالة التي يكون عليها المسن؛ حيث إنه في كل الحالات ينتابه شعورٌ بالفراغ والإهمال، ويدرك حقيقة الحياة التي لا مفرَّ منها ولا هروب، وهي حتمية الفَناء والنهاية.
ويجب أن يعامَل المسن معاملة خاصة تقوم على منحِه فُسحة من الحرية والتفهم لكل الأعمال الصادرة عنه، تفهُّمًا يماهي ويجمع بين الاتباع ونبذِ الصد والمنع والأمر والفرض والتشدد معه، وبين تمرير النصح، وتفصيل حقيقة وضعيته وحاله، وأنها وضعية واقعية هو يعيشها، وهي حقيقة الوجود، وحقيقة الحياة؛ فبعد القوة ضعف، وبعد الشباب شيخوخة، وبعد الطموح نهاية الطموح، وبعد الولادة الموت، حقيقة لا مفر منها.
لفد ثبتت الدراسات وفي جميع المجتمعات أن المنزل والمجتمع الذي عاش فيه المسن هو المكان الأنسب له وينبغي أن تتضافر جميع الجهود العائلية والرسمية والتطوعية لإبقاء كبار السن أطول فترة ممكنة في منازلهم وفي المجتمع معتمدين على أنفسهم أو بدرجات متفاوتة من المساعدة من قبل الجهات المختلفة.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن مشكلات كبار السن لا تتمثل فقط في المعاناة الجسمية نتيجة لإصابتهم بأمراض الشيخوخة أو بعض الأمراض المزمنة، بل إنها تتعدى ذلك إلى مشاعر البؤس والشقاء التي تنتج عند إحساسهم بأنهم أصبحوا بلا فائدة في المجتمع وإلى مشاعر الوحدة واليأس التي تنتابهم.
فأصبح من الضروري التفكير في أن مشكلة كبار السن ليست فقط في ضرورة توفير المسكن والملبس والمأكل باعتبارها حاجات مادية ضرورية، فضلاً عن الرعاية الطبية بل إن سياسات الرعاية لكبار السن، ينبغي أن تمتد إلى إشراك مَنْ له القدرة من كبار السن في البرامج التنموية التي تتناسب مع قدراتهم العقلية والجسمية، لإشعارهم بأهمية الدور الذي يمكن أن يقوموا به، حتى يعطيهم الأمل والحياة في المجتمع، ويتوفر لهم الرضا والاستقرار النفسي. ومن أمثلة الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسن، أعمال ترفيهية واستغلال وقت الفراغ، وأعمال تعليمية وتربوية وأعمال اقتصادية واجتماعية وخدمات نفسية واستشارات مهنية.
إن لكبار السن منزلة ومكانة في الإسلام جليلة عالية؛ فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على إكرامهم والاهتمام بهم، وجعل ذلك مما يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من إِجْلال الله إكرام ذِي الشَّيْبة المسلِم)، وأخبر صلى الله عليه وسلم بأنَّ كلَّ من يقصِّر فيما يجب عليه تجاههم من إكرام وعناية واحترام، فليس متَّبعًا للمنهج والأخلاق التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ليس منَّا مَن لم يرحم صغيرنا ويُوقِّر كبيرنا).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة في هذا السلوك الأخلاقي العظيم؛ وذلك عندما جاء أبو بكرٍ الصدِّيق بأبيه أبي قُحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يحملُه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ رضي الله عنه: (لو أقررت الشَّيخَ في بيته لأتينا).
ولا بد أن يعلَم كل مسلم بأن كبار السن والشيوخ هم مَظِنة البركة والرحمة من الله تعالى، وهذا أمر مؤكد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (البركة مع أكابركم)) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (ابْغُوني الضُّعفاءَ؛ فإنَّما تُرزقون وتُنصَرون بضُعفائكم).
ومن المعاملات والأخلاق الواجبة تجاه المسنين:
- تقديم كبيرِ السن في الحديث والكلام على من هو دونه في العُمر؛ حفظا لمكانته واحترامً له، ولا ينبغي أن يُتَحدث بحضرته إلا إن أذن، ولا يُقضى بأمر يتعلَّق به إلا بعد الرجوع إليه؛ وذلك ليبدي رأيه ويستفاد من خبرته.
- تقديم كبار السن والشيوخ في الضيافة والإكرام على غيرهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سُقِيَ ابدؤوا بالكُبَرَاء).
- بذل السلام من الصغار للكبار، فيُسَلِّم الصغير على الكبير وليس العكس، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (يُسلِّم الصغيرُ على الكبير، والمارُّ على القاعد، والقليلُ على الكثير).
لقد جاء دين الإسلام بخلق البر والإحسان للشيوخ وكبار السن، ورعاية حقوقهم، وتعاهدهم، وعد هذا الأمر من أعظم أسباب التكافل الاجتماعي ومن جليل أعمال البر والصلة؛ ذلك أنه عندما يتقدم العمر ويهن العظم ويشتعل الرأس شيبًا – يحتاج الكبير إلى رعاية خاصة، واحترام وتبجيل، وحسن صحبة بالمعروف؛ فالشيوخ والكبار لهم فض في الإسلام، ولهم حقوق وواجبات تحفَظ قدرهم؛ فالخير والبركة في ركابهم، والمؤمن لا يُزاد في عمره إلا كان خيرًا له، وفي الحديث: (… وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا)؛ رواه مسلم.
الإصلاح