معاني الأرض ومكانتها في القرآن الكريم
نجد في القرآن الكريم حديثا مباشرا عن مد الأرض وإنقاصها من أطرافها، وميدها ودور الجبال في اتزانها، والجبال الأوتاد والرواسي التي لا تجعل الأرض تميد، وعن الجبال التي تمر في الدنيا مر السحاب، وعن البحر المسجور بالنيران، وعن البرزخ والحاجز بين البحرين، وعن ظلمات وأمواج البحار، وعن صدع الأرض، وعن الأرض الكفات الضامة، وعن الأرض الهامدة التي تهتز وتربو إذا أصابها ماء السماء، وعن إسكان وغور الماء، وعن الزلازل ومفرداتها من الرادفة والراجفة، وعن تقطيع الأرض إلى قطع متجاورات، وعن الذاريات، وعن الماء الذى يسيل أودية بقدرها، وعن دحو وطحو الأرض، وشق الأرض، إلى غير ذلك من مصطلحات علوم الأرض التي يتناولها الدارسون اليوم.
هذه الإشارات تجعل المسلم يزداد إيمانا مع إيمانه، وتدعو غير المسلمين الذين يريدون التعرف على الإسلام إلى احترام القرآن، والتساؤل أنى لتلك الإشارات أن تُعرف منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، في زمن لم يعرف فيه الناس علم الأرض “الجيولوجيا” إلا مع مطلع القرآن السادس عشر الميلادي.
مدلولات كلمة الأرض في القرآن:
إن الهدف في عرض معانى الأرض في القرآن هو إيقاظ العقل لتدبر آيات الله في الأرض كما يذكر الله تعالى في قوله: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20]، وفى إقرار ملكية الله سبحانه وتعالى للأرض كما ورد في قوله تعالى: ﴿ قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [المؤمنون: 84]، وقوله تعالى: ﴿ قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 12]، حتى يأتي الرد بالإقرار لله كما ورد في قوله تعالى: ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [المؤمنون: 85].
وترد كلمة الأرض في القرآن (425 مرة)، يرد فيها الإعلان بأن المالك للأرض هو الله، وأن الله قادر عليها، ولا يخفى على الله شيء في الأرض، وأن الأرض خلقت بالحق، وأن الأرض بديعة وفى خلقها آيات للعقلاء يتدبرون فيها، وأنه سبحانه وتعالى قد سخرها لناس، وأمرهم بالمحافظة على صلاحها وعدم إفسادها، وأنه استخلفهم فيها، وأن الله جعل الأرض مستقرا ومتاعا إلى حين، وجعل الله الأرض مسرحًا للنشاط البشرى: يضربون فيها ويبحثون فيها ويبرحون فيها، وأن على البشر السير في الأرض طلبًا للرزق والهجرة فيها، وفى الأرض تاهت أمة حادت عن الحق، وترد في معانى الأرض في القرآن إشارات علمية تتعلق بمد الأرض وإنقاصها وصدعها ودحوها وطحوها واهتزازها….إلخ
يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ خَلَقَ السَّمَوَات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ [لقمان: 10].
﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 31]؛ أي: جبالاً أرسى الأرض بها، وقرَّرها وثقَّلها؛ لئلا تَميد بالناس؛ أي: تَضطرب وتتحرَّك، فلا يَحصل لهم قَرار عليها.
﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15].
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل: 61].
﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 64].
﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 10]، ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ﴾ [طه: 53].
﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [النبأ: 6]
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29].
﴿ بَدِيعُ السَّمَوَات وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: 117]
لقد سَوى الله سبحانه لنا الأرض، ويسر لنا السير عليها لنَعتبر بظلم من سبَقنا؛ قال – تعالى -: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[آل عمران: 137- 138]، وقال – تعالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [الروم: 9]، فلا مَجال للتفاخُر بالبِنايات؛ فإنها إلى زوال، ولا بالقوة؛ فإنها إلى ضعف، ولا بالغنى؛ فإنه إلى فقر؛ قال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].
والأرض أصل الإنسان، ومآله بعد الموت، تمهيدا للخروج منها للحساب؛ قال – تعالى -: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55]، وقال – تعالى -: ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25].
والأرض مصدر للرزق، تنتظر من يضرب فيها، وينزع عنه رِداء العجز والبطالة؛ قال – تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ﴾ [النساء: 100]، وقال: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ﴾ [المزمل: 20].
الإصلاح