عناية الإسلام بصحة الإنسان

إن شريعة الله صراط مستقيم لا ترى فيه عوجا ولا أمتا، لا خير إلا حثت الأمة عليه، ولا شر إلا حذرتها منه. سواء كان هذا الشر يتربص بها في أجسادها أو معنوياتاها أو نظام حياتها أو أخلاقياتها.

وإذا استعرضنا الأحكام في الإسلام تعجب من ذلك غاية العجب، وتعلم أن هذا الدين من لدن حكيم خبير؛ فقد نهى الإسلام عن تلويث الأماكن؛ قال صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا الملاعنَ الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل)؛ رواه أبو داود وغيره بسند صحيح، وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التخلي في الموارد، والمقصود بذلك قضاء الحاجة بموارد المياه والطرق؛ لما تُحدثه تلك القذارات من أضرار بها؛ فإلقاء النجاسات في المياه الراكدة أو الدائمة يصيب الناس بأمراض خطيرة، ومن أخطرها البلهارسيا التي أُصيبَ بها أكثر من ستمائة مليون إنسان، وسببها الأول قضاء الحاجات في المياه أو بالقرب منها، فقضاء الحاجات في هذه الأماكن يتعَرض فاعلوه للسب من الناس ولعنهم؛ لأنهم أضروا بهم، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

ولنعلم أولا أن الذي يجلب إلى نفسه الأسقام والأمراض إنما هو الإنسان نفسه لا غيره، سواء كانت الأدواء التي يشكو منها قد أصيب بها بطريق مباشر كأن يكون هو السبب الأول في مقارفتها أو كانت هذه الأدواء والعلل الحسية والمعنوية قد انتقلت إليه بطريق الاختلاط بقرناء السوء مما يجر إليه العدوى في صحة جسده وصحة عقله وصحة تفكيره وسلامة معتقده. وبالتالي فهو السبب الأول الرئيس في ارتكاب ما يجر إليه ويلات الأسقام والأمراض. والإسلام في تطبيقه وإتباعه هو البلسم الشافي لكل داء بإذن الله العلي القدير. ورحم الله من قال: “إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه”.

ومن عناية الإسلام بالمسلم أنه أمره إذا استيقظ من نومه أن يغسل يديه ثلاثًا قبل أن يدخلهما في الإناء؛ فإنه لا يعلم أين باتت يده، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه كيف يستنجي أحدهم عند قضاء حاجته، وهذا أمر لا يخفى على مسلم صغير أو كبير، ومن عناية الإسلام بصحة المؤمن أنه شرع التداوي والعلاج، وأكدَ أنه لا يُنافي التوكل على الله؛ فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: “قالت الأعراب: يا رسول الله، ألا نتداوى؟ قال: (نعم، يا عباد الله تداووا؛ فإن الله لم يضع داءً إلَّا وَضَعَ له شفاءً، إلا داءً واحدًا)، قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: (الهرم)؛ رواه الترمذي، وأرشدهم إلى أنواعٍ من التداوي، وبينَ لهم المشروع والممنوع، وما جعل شفاءهم فيما حَم عليهم.

ومن اعتناء الإسلام بصحة المسلم أنه شرع الاستحمام وإزالة النجاسات عن الأجساد؛ بل يقع العذاب على من تساهلَ في إزالة النجاسة عن بدنه؛ لما رواه البخاري في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر حينما مر على قبرين بأنهما (ليُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر، فكان يمشي بالنميمة)، وفي رواية عند النسائي بسند صحيح: (كان أحدُهما لا يستبرئ من بوله)، وجعل الإسلام خمسا من الفطرة، وجعل منها الاستحداد؛ أي: إزالة شعر العانة، وتقليم الأظافر، ونَتْفَ الإبط، وقص الشارب، ومن علل ذلك أنها موطن اجتماع القاذورات.

 فمحافظة الإسلام على صحة الإنسان وعافيته هو النظام الأول الذي لم تسبقه النظم الحديثة بشتى ما استخدمته من وسائل العلم وأسبابه في مداواة الأجسام والعلل التي يشكو منها المرضى، وإذا أنت تتبعت الأسباب التي يأخذ بها الطب الحديث في مداواة المرضى وجدت من أولها المداواة (بالحمية) تلك الطريقة الناجحة (طبيًّا) وها هو الإسلام قد سبق علم الطب الحديث، فقد نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن الشبع، لأنه يحدث البطنة، والبطنة تحدث التخمة، والتخمة تجلب كثيرا من الأمراض العضوية كأمراض الكبد، وأمراض الهضم، وأمراض الأطراف، وتجلب الأمراض النفسية. فتجنب التخمة يقي الفهاهة والشرود الذهني، فهي تذهب باعتدال المزاج، وتكون مدعاة لسقم التفكير، وفقدان الذاكرة وبطء الفهم، وضيق النفس، ونتني الرائحة، وفقدان الراحة في النوم لاشتغال خلايا الجسم بما، زاد عليها. ومن هنا ذم الشارع الحكيم صلوات الله وسلامه عليه، ذم الشراهة والشبع والتخمة والبطنة فقال – صلى الله عليه وسلم- : “بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد آكلا. فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه”.

إقرأ أيضا: الملك محمد السادس يطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا ويتلقى الجرعة الأولى

ومن محافظة الإسلام على صحة الإنسان وعافيته أن شرع الصوم للمسلمين، وإن كان الصوم سابقا في الأديان الأخرى قبل الإسلام. لكن الإسلام هو الذي وضع لفريضة الصوم الضوابط وحدد أوقاته بدءًا ونهاية، حيث جعله شهرا واحدا على رأس كل عام. فهو دواء عام لكل عضو من الأعضاء والأطراف من محافظة الإسلام على الصحة الإنسانية أن حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وفي ذلك إشارات صحية حية ومداواة لذوي القلوب الضعيفة التي تلعب بها أهواؤها. فإن ارتكاب المحرمات من مخدرات ومفتِّرات وزنى يكون مدعاة لانتقال العدوى بشتى الأسقام والأورام التي لا يرجى برؤها. وهذا هو ما تشكو منه كثير من الدول والبلدان التي تدعي الحضارة والرقي، ولكنها حضارة ورقي مزعوم مفترى مكذوب. فكيف ترجى السلامة من العلل والآفات لمجتمعات نزلت بها أخلاقياتها إلى الحضيض، فأشبهت الحيوانات العجم في تصرفاتها الشنيعة ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44] ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12].

ومن حرص الإسلام على الصحة التحذير من الأوبئة التي قد تصيب الناس، ومن هذا الحديث العظيم الذي رواه البخاري في صحيحه: (أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم، وغلقوا الأبواب، وأوكوا الأسقية، وخمروا الطعام والشراب – وأحسبه قال – ولو بعود تعرضه عليه)، وما هذا الأمر إلا حرصا منه صلى الله عليه وسلم على حماية الناس من هذه الأوبئة، ومن النجاسات والقاذورات والحشرات، ومن حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه أنه حثَّهم على التحرز من الأمراض المعدية، وأرشدهم لمجانبة المصابين بها، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايعَ الرجل المجذوم، ثم قال: (إنا قد بايعناك فارجع)؛ رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري: (وفِرَّ من المجذوم كما تفِرُّ من الأسد) ، ونهى صلى الله عليه وسلم أن يورد ممرض على مصح، ومن معاني الحديث ألَّا يورد صاحب الإبل المراض على الإبل الصحاح؛ لسرعة انتشار العدوى بينها، ومعلوم أن الحيوانات هي في الغالب التي تنتقل منها الفيروسات والأوبئة والحمى خاصةً للبشر، فهذه الفيروسات ومرض الكورونا وغيرها انتقلت العدوى فيها من الحيوانات إلى البشر.

لقد سبق الإسلام الناس أجمعين بالتحذير من هذه الأمراض، وأنها تنقل العدوى؛ بل سبق منظَّمات الصحة العالمية وغيرها لما يسمى الآن بالحَجْر الصحِّي، وإن اختلف المسمَّى، فالمضمون واحد، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمِعتُم بالطاعون بأرضٍ فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها)؛ رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، ومن علل الحديث أن من يعيش في سلامة فلا يعرض نفسه للخطر، أما من ابتُلي بأرضٍ فيها هذه الأمراض، فلا يخرج منها لعللٍ من أهمها أنه قد ينقل العدوى لبلدان أخرى، وقيل إنه ينافي التوكّل، ولا تعارض بين هذه العلل، وهذه الأحاديث بجملتها تدعو لتجنب الملوثات، والتحرز من التعرض لها.

ومن رعاية الإسلام وعنايته بالصحة العامة للأفراد والجماعات قيامه ورعايته لحقوق الطفل صحيا؛ ذلك الفرد القاصر الذي لا يستطيع أن يفصح عما يلم به من أمراض. فقد ثبت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يحنط بالتمرة ثم يضعها في فم الطفل الرضيع. وفي ذلك إرشاد بد تطعيم الأطفال عبر طفولتهم ضد الأسقام والأوبئة التي تتناقل بالعدوى. فقد أثبت العلم الحديث أن التمرة غذاء كامل غني بجميع ما يحتاج إليه الجسم البشري، وإذا فالسبق للإسلام لا للعلم الحديث، وما امتداد العلم الحديث إلا من هدي الإسلام.

وهذا العمل الطبي الناجح بالتجربة أي التطعيم، جدير بالمسلم أن يتبعه بانتظام للعمل والحرص على سلامة الأطفال الأبرياء. ولا يجوز للمسلم أن يترك مثل هذا التداوي مدعيا التوكل على الله، لأن فعل الأسباب لا ينافي التوكل على الله، ويكفي الإسلام فخرا تقدمه العلمي (طيبا)، وفي جميع المجالات نهيه عن الإسراف في الأكل والشرب، حيث يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، والإسراف أيها الإخوة مظنة الفقر وسببه الأول الداءين، والفقر من أكبر العلل التي تجلب الجهل والمرض، بل هو علة هذين الداءين الخطيرين وأحدهما.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى