لا عنصرية في الإسلام

العنصرية هي “الاعتقاد” بأن هناك فروقا وعناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا.

ويمكن تعريفها بأنها : الأفكار والمُعتقدات والقناعات والتَّصرفات التي ترفع من قيمة مجموعة معينة أو فئة معينة على حساب الفئات الأخرى، بناء على أمور مورّثة مرتبطة بقدرات الناس أو طباعهم أو عاداتهم، وتعتمد في بعض الأحيان على لون البشرة، أو الثقافة، أو مكان السكن، أو العادات، أو اللغة، أو المعتقدات. كما أنها يمكن أن تعطي الحق للفئة التي تم رفع شأنها بالتحكم بالفئات الأخرى في مصائرهم وكينونتهم وسلب حقوقهم وازدرائهم بدون حق أو سبب واضح.

وقد ظهرت العنصرية منذ خلق الله الحياة على هذه الأرض، وتعد أحد أسباب الفتنة، وأبرز أسباب الحروب والتفرقة، وهي من أشد الأمراض فتكا بالمجتمعات، ولم يخل منها أي عصر من العصور. ولا شك أن أبرز مثال على العنصرية هو تجارة الرقيق التي مارستها بعض الدول أو المجتمعات على ذوي البشرة السوداء في فترات مختلفة من التاريخ البشري، فجعلت منهم عبيدا بلا سبب إلا للاختلاف في اللون. أما اليوم، فإننا نعيش عصرا جديدا للعنصرية المتفشية في أشكال وقوالب مختلفة، تارة تغطيها التكنولوجيا، وتارة تحميها حقوق الإنسان، وأخرى تبررها مظاهر العولمة وإفرازات التقدم ودواعي العصرنة.

 ونجد في كتاب الله قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾، وهو خطاب موجه إلى الناس، فيه إشارة إلى خبر وحقيقة قد يسهو ويغفل عنها الكثير، وفيه تذكير للناس بها، ودعوة إلى النظر إليها.

فلكل فرد من الناس والد ووالدة، والناس شعوب وقبائل، إذًا دعوة إلى الناس إلى تأمل هذه الحقيقة وتذكُّرها، والسعي إلى النظر إليها، وبلوغ مقاصدها، وهي تؤسِّس لحقيقة علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، نظرة تؤطر أسس عَلاقة الناس بعضهم ببعض، علاقة لا تتناسى ولا تتجاهل، ولا تخفي أن الإنسان أخٌ لأخيه الإنسان، وإيمانا بأن رفعة شأن إنسان على إنسان، وكمال إنسان على إنسان – لا يكون إلا بأن يكون أكرمهم عند الله، برفعة درجة تقواه، من عمل صالح وخلق حسن؛ اتباعًا للمنهج السليم الذي فطر عليه الناس.

لقد بين النبي ﷺ أن الناس جميعا سواسية كأسنان المشط، وأنه لا فرق بين عربي وعجمي، ولا فضل لأحمر على أسود، إلا بتقوى الله رب العالمين وطاعته.

وأعلن النبي ﷺ حرمة الدماء والأموال والأعراض في يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفي أوسط أيام التشريق: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا). وأشهدهم النبي ﷺ على البلاغ المبين: (اللهم هل بلغت). فيقولون: نعم. يرفع إصبعه السباحة إلى السماء وينكتها إليهم: (اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد).

وأخرج الله رب العالمين على يديه خير أمة أخرجت للناس، فصاروا عابدين لله رب العالمين موحدين. وأعلمهم النبي ﷺ -كما أخرج أحمد في مسنده -: (أيها الناس! كلكم لآدم، وآدم خلق من التراب، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بتقوى الله رب العالمين).

وبين النبي ﷺ أن الله قد أرسى دعائم الدين، وأقام أساس الملة المتين، وأن الشيطان قد يأس أن يعبد في جزيرة العرب، بعد أن أرسى الله رب العالمين معالم الملة الغراء، وبين النبي ﷺ المحجة وأقام الحجة، ولكن في التحريش بينهم، قال النبي ﷺ: (ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض).

إن الذين كانوا يتعصبون إلى العصبية الجاهلية، مقتهم الله رب العالمين، (إذ نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب في الصوامع والديارات والبيع)، حتى جاء محمد ﷺ، وهو يرد الأمر إلى نصابه.

لما عير أبو ذر -رضي الله عنه- بلالا -رضي الله عنه-، عيره بلون أمه، فقال: يا ابن السوداء. واشتكى بلال أبا ذر إلى الرسول ﷺ، فقال: (إنك امرؤ فيك جاهلية). النبي ﷺ بين أن ((من دعا بدعوى العصبية الجاهلية؛ أورده الله رب العالمين النار). قالوا: وإن صلى وإن صام يا رسول الله؟ قال: (وإن صلى وإن صام وزعم أنه مسلم).

لا انتماء إلا إلى دين الإسلام العظيم، أعزنا الله رب العالمين به، وليس معنى ذلك أن الإنسان لا ينتمي إلى عائلة ولا قبيلة ولا شعب ولا وطن؛ لأن النبي ﷺ أمرنا أن نتعلم من أنسابنا ما نصل به أرحامنا، فقال: ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)). ولكن لا عصبية، ولا انتماء إلى الجاهلية للعصبية، وإنما الانتماء إلى دين الله رب العالمين، الذي أخرج الله رب العالمين به الناس من الظلمات إلى النور؛ لكي يعلم الناس كل الناس أنهم لآدم، وأن آدم مخلوق من تراب، وأنه لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بتقوى الله، إلا بطاعة الله. ونبيكم ﷺ يخبركم منذرا ومحذرا، فيقول ﷺ: ((من بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)). وقد نادى النبي ﷺ العباس -عم رسول الله ﷺ- ونادى عمته صفية، ونادى ابنته فاطمة -رضي الله عنهم وعن الصحابة والآل أجمعين-: (اعملوا لا أغني عنكم من الله شيئا، يا فاطمة سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئا).

الإصلاح

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى