الإخلاص في العمل وأثره في حياة المسلم

إن الإخلاص في العمل يُورِث قَبولَه عند الله، واللهُ تعالى لا يقبل من الأعمال إلاَّ ما كان صالحاً، وابتُغيَ به وجهه، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]. وقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]. أي: الذين اتَّقوا الشركَ.

والإخلاص لله تعالى له أثر عظيم في إجابة الدعاء؛ بل هو شرطٌ رئِيسٌ في إجابة الدعاء، وتحقيقِ رغبةِ الدَّاعي؛ لأنَّ الدعاء هو العبادة، ومن شرط العبادة ألاَّ تُصْرَفَ لغير الله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]. فسمَّى دعائَه عِبادةً. وتأمَّل قولَه: ﴿ ادْعُونِي ﴾ الدال على قصده وحْدَه بالدعاء. قال ابن كثير رحمه الله: (نَدَبَ عِبادَه إلى دُعائِه، وتَكفَّل لهم بالإجابة).
ولهذا استجاب اللهُ تعالى دُعاءَ الأنبياء والصالحين من عباده؛ لَمَّا أخلصوا له الدعاء؛ كما في “سورة الأنبياء” – في لُجوءِ إبراهيمَ إلى تعالى وتوكُّلِه عليه، ودُعاءِ نوحٍ وأيوبَ ويونسَ وزكريا – فقد خَتَمَ اللهُ إخبارَه عن دعائهم بقوله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]. فَسِرُّ إجابتِه لدعائهم أنهم: كانوا مُلازمِين للدعاء في حال الرَّخاء والشِّدة، بإخلاصٍ ويقينٍ وحضورِ قلب؛ ولذا أمَرَ اللهُ تعالى بالإخلاص له في الدعاء، فقال: ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [غافر: 14]. فالإجابة مقرونةٌ بالإخلاص، لا فُرْقَةَ بينهما.
وللإخلاص أثر عظيم في مُضاعفة الأجر؛ قال الله تعالى: ﴿ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]. فقد رتب الله تعالى على فعل هذه الأعمال بإخلاص الأجرَ العظيم؛ حيث نَكَّرَه وعَظَّمَه، مما يدل على كثرته.
ومِمَّا يدلُّ على مُضاعفة أجْرِ المُخلِص قوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]. إذْ دلَّ قولُه تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ على مُضاعفة الأجر بحسب ما قام بقلب المُتصدِّق المُنفِق؛ من الإيمانِ بالله، والتصديقِ بوعده، والإخلاصِ له، واحتسابِ الثواب. قال ابن حجر رحمه الله: (إنَّ تضعيفَ حَسَنَةِ العملِ إلى عشرةٍ مَجزومٌ به، وما زاد عليها جائِزٌ وقوعُه؛ بحسب الزيادةِ في الإخلاص، وصِدْقِ العزم، وحضورِ القلب، وتَعَدِّي النَّفع).
وقال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]. والقَرْضُ الحَسَن: هو الحلال، المقصود به وجه الله تعالى. فرتَّب الله مضاعفته الأجور على حُسْنِ القرض، ونِيَّةِ المُقرِض؛ بل إنَّ الله تعالى يُضاعفه له أضعافاً كثيرة، فنَكَّر الأضعافَ وكثَّرها، فلا حدَّ لها، ولا حصر، مما يدل على أثر الإخلاص في المُضاعفة.
والتوبةُ لا تكون مَقبولةً عند الله تعالى حتى تكون خالصةً لله، فقد يُقلِع العبدُ عن المعصية خوفاً على نفسه، أو حِفْظاً لماله، أو إبقاءً على جاهه، ونحو ذلك. والإخلاصُ له أثر جَلِيٌّ في صحة التوبة، وقبولِها عند الله تعالى، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]. قال السعدي رحمه الله: (فيه الحثُّ على الإخلاص بالتوبة في قوله: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ ﴾ أي: لا لِمَقْصِدٍ غير وجهه؛ من سلامةٍ من آفات الدنيا، أو رياءٍ وسُمعَة، أو نحو ذلك من المقاصِدِ الفاسدة). فينبغي أن يكون الباعِثُ على التوبة ابتغاءَ رضوان الله ومغفرته.
الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى