عيد الفطر فرح وشكر وعطاء

يعتبر عيد الفطر أحد الأعياد الدينية التي أبدلها الله تعالى على أهل الجاهلية، بحيث قد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجاهلية كان لهم يومان كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما؛ يوم الفطر ويوم الأضحى (سنن النسائي).

وإذا كان عيد الفطر عيد فرح المسلمين بإتمام الصيام، وإحياء رمضان صلاة وذكرا وقياما، فإنه في المقابل، هو فرح الشياطين بإطلاق سراحهم، وفكاكهم من صفدهم، كما روى البخاري ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ”. فالمعنى الظاهر هو تصفيد الشياطين عن إغواء الناس، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله تعالى في رمضان. وكما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر. لذلك فعيد الفطر هو عيد الفرح من جهتين، من جهة المسلمين الذين أتموا فريضة الصيام ووجدوا معونة على ذلك في رمضان، من حيث فتح الجنة، وإغلاق النار، وكف غواية إبليس عن الصائمين، والإقبال الكبير على المساجد، وعلى قراءة القرآن، أما الجهة الثانية، فهو فرح الشياطين وأتباعهم من إطلاق أيديهم في الترصد لعباد الله الصالحين، وتـنكب طريقهم المستقيم. والاجتهاد أكثر في تزيين الباطل لهم بعد رمضان.

ويعتبر عيد الفطر، الذي يأتي تتويجا لفريضة الصيام، وإكمالا لرحلة المسلم مع رمضان، مناسبة لإظهار فرح المسلمين، ومكارم محاسن أخلاقهم التضامنية والتآزرية، فالعيد هو مناسبة لتقوية العلاقات الاجتماعية بين الناس، وتجدد معاني التواصل والإنفاق على قاعدة الإحسان والتواد والتراحم.

أولا: عيد الفطر فرح المسلمين وشكرهم للنعمة

إن عيد الفطر هو عيد الفرح عند المسلمين جميعا، وهو ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما قال: “للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه” (متفق عليه). ومنه يكون مقصد الفرح عاما، يسع كل المسلمين، الأغنياء والفقراء، فإذا كان الصائم يفرح بفطره ليلة العيد جراء قيامه وصيامه في رمضان، وصبره على العنت والتعب الذي قد يكون قد وجده أيام الصيام، فإنه في المقابل، يتعين إدخال الفرح إلى كل قلوب الناس، وذلك بإغنائهم عن السؤال على الأقل في يوم العيد، وعدم اضطرارهم إلى مد أيديهم للسؤال…

فالقصد من عيد الفطر إذن، هو التعبير عن شكر نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى، في حده الأدنى وهو أن يمر هذا اليوم على الناس، ولا يوجد أحد منهم من لم يجد قوت يومه، وهذا يسهم في أن يستشعر المسلمون أهمية هذه الروح التآزرية بين عموم الناس؛ ففرح المسلمين بعيد الفطر يتعين أن يكون فرحا جماعيا، ولحظة استثنائية في مسار الفرح الإنساني، والنبي صلى الله عليه وسلم عبر عن هذا المقصد بقوله: ”أُغنوهم عن السّؤال في هذا اليوم”(البيهقي والدارقطني)، فالسؤال في عيد الفطر يؤشر على عدم تمام فرحة المسلمين، وأن النقص ما زال قائما في تواصي الغني بالفقير.

دوكيف للفرحة أن تتم، وجزء كبير من أبناء الأمة الإسلامية في العالم الإسلامي، مازال يئن تحت وطأة الفقر والحاجة والظلم والاضطهاد، والقتل وسفك الدماء بغير حق، وكلنا يستحضر معاناة إخواننا وأخواتنا في فلسطين المحتلة، وفي ميانمار، وغيرها من مناطق البؤس الإنساني.

ثانيا: تجدد معاني التواصل والإنفاق

تعتبر مناسبة عيد الفطر من المناسبات المستجلبة للشكر،والتي يجدد فيها الإنسان معاني التواصل مع أقربائه وجيرانه، وأصدقائه، وحتى مع خصومه وأعدائه، بحيث يتم تبادل عبارات التهاني والتبريكات، وتداول خطاب الرحمة والمودة بين الناس، وحتى في حالات الخصام والنزاع، تجد النفوس مهيأة إلى تغليب الصفح والعفو والتجاوز، فيزول الحقد والضغينة، ويسارع الناس إلى طي صفحة الماضي، ونسيان ما فات، لتبدأ سيرة جديدة ومسيرة أخرى من العلاقات الإنسانية مبنية على الصفاء والتعاون والإخاء.

إن القصد من عيد الفطر في هذا المجال، هو أن تتصافى القلوب، وتتغافر النفوس، وتتصافح الأيادي، فيصير الناس جسدا واحدا، وبنيانا مرصوصا يشد بعضه بعضا، فعيد الفطر هو نقطة النهاية، ونقطة البداية؛ فهو نهاية الأحقاد والجفاء والقطيعة وسوء الظن، وبداية السكينة والطمأنينة والصفاء وحسن الظن بإخواننا وأخواتنا وأصدقائنا وأحبائنا…

أما من جهة الإنفاق، فزكاة الفطر ــ والتي سميت بصدقة الأبدان ــ تقابل زكاة الأموال، فهي تُحسب بحسب الأبدان، وهي صدقة تذكر الإنسان بمسؤوليته في الإنفاق؛ لأن صدقة الفطر تكون عن المسلم نفسه، وعمن تلزمه نفقتهم من أهل بيته، وعليه تخرج زكاة الفطر بحسب عدد الأفراد الذين يعيشون في البيت، وحينما يخرج المسلم هذه الزكاة يستحضر معنى الإنفاق ووجوبه على أهله وعياله. إن زكاة الفطر كغيرها من الصدقات، تقوي حاسة الإنفاق عند المسلم دون إسراف ولا تقتير، وما يرسخ ذلك في إيمان المسلم أن الرزاق هو الله تعالى، وأن المال الذي نتصرف فيه، هو منه سبحانه وتعالى، ونحن ندبره حيازة لا مِلكا، لأننا مستخلفين فيه.

ثالثا: زكاة الفطر جبر للصوم، وسد لحاجة الفقير

لقد فرض الإسلام إخراج زكاة الفطر، وهي ما يُعطيه الصّائم في آخر أيّام رمضان للمساكين. وهي من التّزكية بمعنى التّطهير لأنّها تُطهّر ما يلحق الصيام من نقص، وقد أجمع العلماء على وجوبها على كل مسلم عن نفسه وعن كل من هم تحت مسؤوليته ومؤونته، فزكاة الفطر يستحب إخراجها بين غروب شمس آخر يوم من رمضان وقبيل دخول صلاة العيد، وقد ورد في سنن أبي داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: “فَرَض رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْر طُهْرَةً لِلصَّائم من اللَّغوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ” فزكاة الفطر تجبر النقص الحاصل في الصيام، وهي طعمة للمساكين وإعانة لهم في سد جزء من احتياجهم وحاجتهم.

وتختلف زكاة الفطر عن زكاة المال الحولية، فإذا كانت هذه الأخيرة تجب على من تحقق في ماله شرط النصاب، ومرور الحول، فإن زكاة الفطر تجب على كل من ملك زيادة عن قوته يوم العيد، وعليه فكل من ملك زيادة عن قوته، وقوت عياله يوم العيد، يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر، وفي ذلك تدخل أكبر شريحة من المسلمين في إخراج هذه الزكاة، حتى ولو كانوا فقراء ومساكين، ولذلك قالوا: إن الفقير إذا اجتمع عنده صبيحة يوم العيد أكثر من قوته، وقوت عياله يخرج عن نفسه وعياله، ولو مما اجتمع عنده من الطعام. إضافة إلى أن قيمة زكاة الفطر هي من المقدور عليها عند غالبية المسلمين الفقراء والمساكين. وبالتالي فهذه العبادة تكاد تكون عامة عند كل المسلمين، باستثناء أولئك الذين لا يتوفرون على قوت يوم العيد.

رابعا: إخراج زكاة الفطر على قاعدة التيسير ورفع الحرج

بخصوص إخراج زكاة الفطر، نجد هناك مرونة وتيسيرا على الناس في إخراج زكاة الفطر، وإذا كان الأصل هو ما ورد عن ابن عمر، رضي الله عنهما، حينما قال: ”فرض رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، زكاة الفطر من رمضان على النّاس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كلّ حُرٍّ أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين”، وما ورد في سنن أبي داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: “فَرَض رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْر طُهْرَةً لِلصَّائم من اللَّغوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ”، من هذين الحديثين ذهبت ثلة من العلماء ومنهم الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء لدى المجلس العلمي الأعلى، الى أن الأصل في إخراج زكاة الفطر أن يكون بمكيلة الصاع، بمعنى أربعة أمداد، أي حفنات، من أحد أنواع الأطعمة المقتاتة، كما أن هؤلاء العلماء فتحوا باب التيسير ورفع الحرج عن الناس، حينما أخذوا بجواز إخراجها بالقيمة نقدا، لمن رأَى ذلك أسهل عليه وأيسر له في أدائها، وأفيد وأنفع للآخذ المنتفع بها من فقير ومسكين، فيجوز له حينئذ إخراجها بالقيمة نقدا. وهذا هو ما دأبت عليه المجالس العلمية المحلية المنتشرة في ربوع المملكة المغربية في تحديد مقدار زكاة الفطر، بحسب معيشة الناس، وقيمة الأطعمة المقتاتة.

وبارك الله لكم عيد الفطر، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، والحمد لله رب العالمين.

صالح النشاط

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى