شعبان فرصة للاستعداد القلبي والتعبدي لشهر رمضان

إن أعظم المواسم عند المسلمين خلال السنة شهر رمضان الذي تهفو نسماته مع دخول شهر شعبان، فيهيئ فيها المسلم نفسه وقلبه لاستقبال رمضان من خلال القيام ببعض العبادات القلبية والبدنية.

ومن هذه الأعمال، استحضار النية وتجريدها لله عز وجل: فيسأل المؤمن نفسه: لماذا أريد أن أتهيأ لاستقبال رمضان؟ وليمتثل قول الله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾، تليها الاستعانة بالله عز وجل على تهيئة النفس والقلب لاستقبال رمضان بطلب العون من الله في الوصول لمراده من الشهر.

ومع كل هذا، لا بد من العناية بشهر شعبان وعدم الغفلة عنه، فشهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل؛ لما جاء في سنن النسائي من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (قلتُ: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ).

ومن أفضل سبل العناية بشهر شعبان وعدم الغفلة عنه الإكثار من الصوم فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ ‌شَعْبَانَ ‌كُلَّهُ)، وفي لفظ مسلم: (كَانَ يَصُومُ ‌شَعْبَانَ ‌كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا).

ومن كان به عذر كالمرض أو السفر أو الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة قضاء ما فات من صيام رمضان، بالإضافة إلى التوبة الصادقة، بأن نفتح صفحةً جديدة مع الله عز وجل ؛ امتثالًا لأمره جلَّ في عُلاه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾، وأمره تبارك وتعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.

ولا بد للمسلم أن يكون صاحب عزيمة صادقة على اغتنام رمضان وتعميره بالأعمال الصالحة، مع وضع خطة للفوز بالجنة، وذلك بالأخذ بأسباب الفلاح في رمضان، ومنها أن نضع خطة عملية ونستعين بالله تعالى على تنفيذها.

 يقول ابن رجب: “بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمةٌ عظيمةٌ على مَنْ أقدَرَه الله عليه، ويدل عليه حديث طلحة بن عبيد الله؛ حيث أخبر أن رجلين قدما على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلما، وكان أحدهما أشدَّ اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم تُوفِّي على فراشه، فرؤي في المنام أن الذي مات على فراشه أسبقُ دخولًا إلى الجنة من الذي مات شهيدًا، فسُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: (أليس صلَّى بعده كذا وكذا صلاة، وأدرك رمضان فصامه؟ فوالذي نفسي بيده، إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض)؛ [رواه أحمد]

ألا فليستعد من يسعى لمغفرة السيئات، ويرجو العفو من رب الأرض والسماوات، ويطمع في الفوز بالجنَّات ورفيع الدرجات، فالمرحوم من رُحِمَ في رمضان، والخاسر من فاتته رحماتُ رمضان، فاللهم بلِّغْنا رمضان، ووفِّقنا فيه لطاعتك، واكتُبْنا فيه من أهل جنَّتِكَ، وصلَّى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.

الإصلاح

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى