باحثة إيطالية: الإسلام يجمع بين الكوني والمحلي
تُعتبر الباحثة والشاعرة الإيطالية فرانتشيسكا بوكا الدقر واحدة من أبرز الوجوه الثقافية المسلمة في إيطاليا. ولدت في شمال إيطاليا عام 1987، وحصلت على دكتوراه في علم الأعصاب من جامعة ميونخ عام 2015، وماجستير في علم اللاهوت الإسلامي من كلية كامبردج الإسلامية عام 2018، وماجستير في علم النفس الإسلامي من كلية كامبردج الإسلامية عام 2022.
صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان “لا أحب الآفلين” (2021)، ولها كتابات مسرحية. وقد صدر لها “نيتشه في الجنة” (2020)، و”تحت أقدامه تولد الزهور” (2019). وفي ماي الماضي صدر لها “بيان الإسلام الإيطالي” عن دار نشر ميميزيس.
أكدت فرانتشيسكا أنه لطالما كان الإسلام، طيلة تاريخه الممتد على 14 قرنا، قادرا على تحقيق التوازن بين الوتر الكوني والانتماء إلى الثقافة المحلية. وعليه، فإن المسلم الإيطالي، بغض النظر عن العوائق اللغوية، لن يواجه أي مشكلة في ممارسة إسلامه ضمن أي مجتمع مسلم آخر في العالم، تماما كما أن الوتر الكوني لن يدفعه إلى نسيان أصوله.
وترى رئيسة المعهد الإسلامي للدراسات الإسلامية المعمقة (IISA) في إيطاليا، في حوار لها مع موقع “الجزيرة.نت”، أن إيطاليا ليست فرنسا في رؤيتها للإسلام، منبهة إلى أن العيب الإيطالي المتمثل في التطلّع إلى ما وراء جبال الألب لتلقي “الإلهام” الثقافي ليس في الواقع سوى علامة على الكسل الفكري.
لهذا السبب، شجعت الباحثة مرارا وتكرارا في كتابها “بيان الإسلام الإيطالي” المفكرين الإيطاليين -سواء كانوا مسلمين أو غيرهم- على إعادة التفكير بشكل خلّاق في جذورنا للنظر في المستقبل، بدلا من التقليد الأعمى لما يحدث في بقية أوروبا.
وأفادت بوكا الدقر أن الكوني والمحلي هما مكونان يتعايشان دائما بشكل طبيعي. وإن كنا نجد صعوبة في تصور إسلام إيطالي يختلف عن الإسلام الألماني، فذلك فقط لأن هذين الإسلامين لم يتحققا بالكامل بعد. مشيرة إلى أنه كان من الصعب على الصحابة أيضا أن يتخيلوا إسلاما فارسيا وآخر سوريا..
انتقدت الباحثة الإيطالية في سياق حديثها عن سياسة الكيل بالمكيالين تجاه حرب غزة، الجامعات البيضاء التي تحتفي بـ”دراسات إنهاء الاستعمار” عندما يتعلق الأمر بشبه القارة الهندية أو أميركا الجنوبية، ولكنها تنسى على الفور مدى الاستقلالية التي يجب أن تكون عليها عملية إنهاء الاستعمار -بحكم تعريفها- عن آلهة الوصاية البيضاء هذه نفسها.
وأوضحت فرانتشيسكا أنه لا تريد اختزال القضية الفلسطينية في ديناميكية بسيطة لإنهاء الاستعمار، فنحن المسلمين لدينا مفرداتنا ومتطلباتنا الخاصة، ولكن هذا مثال أريد به تسليط الضوء على النفاق الصارخ في الأوساط الأكاديمية الغربية بهذا الشأن. والأمر ينسحب على وسائل الإعلام البديلة في إيطاليا،
دعت الشاعرة الإيطالية في هذا الصدد إلى أن نكون حذرين حيال وسائل الإعلام الإيطالية البديلة، التي تقدم تفسيرات مصطنعة وملتوية بشكل مفرط لواحدة من أبسط القضايا: شعب يريد أرضه ولا يقبل العيش في ظل الفصل العنصري.
وعبرت فرانتشيسكا عن تشجيعها للمسلمين في إيطاليا لتعزيز سرديات الشعب الفلسطيني التي صاغها الفلسطينيون أنفسهم، مستشهدة في ذلك بشعر درويش المترجم إلى اللغة الإيطالية. وكتابا فلسطينيين إيطاليين شبابا ملتزمين بإنتاج أدب عن أرضهم وتجربتهم، نموذج آلاء السيد بروايتها “صابون”.
اعتبرت أن أسوأ حالات الإسلاموفوبيا تطرحها في الوقت الحالي الأحزاب اليمينية والموجة السيادية الأخيرة التي أتت بها، مستحضرة الحركة السياسية اليعقوبية المناهضة لرجال الدين والتي ولدت خلال الثورة الفرنسية ولم تكن نظرتها قط إيجابية عن الإسلام. وليس من قبيل المصادفة أن فولتير نفسه استخدم النبي محمد ﷺ في التراجيديا التي كتبها بعنوان “محمد” عام 1736 لتجسيد رذيلة التعصب (والأمر كان فاحشا لدرجة أن الألماني غوته -أحد المسلمين الأوروبيين الأوائل- تعفّف عن ترجمتها بالكامل إلى الألمانية).
ووصفت الليبراليين اليوم، الإسلام والمسيحية سواء، أن كليهما يمثل تعصبا ينبغي التخلص منه في أسرع وقت ممكن. وكل هذا يندرج ضمن عملية أوسع تتمثل في إهانة أجساد المسلمين وملابسهم، وهي أمور أتحدث عنها في كتابي ويمكن العثور عليها بالفعل، في جوهرها، في العصور الوسطى.
ذهبت الكاتبة الإيطالية إلى أن الفضيلة التي يجب على المسلمين في إيطاليا إعادة اكتشافها النابعة من قيم الفروسية والمروءة بدل الخوف من قول الحقيقة؟ وخشية لا نتفق مع الطريقة التي يتم تصويرنا بها، أو معاملتنا، أو إقصاؤنا، أو إدماجنا من خلالها، حيث أن هذا الخوف نلمسه من كل الاتجاهات. بذلك لا بد من اشتغال روحي حقيقي يتعين على هذا المجتمع القيام به حتى يتحرر من الخوف.
ودعت فرانتشيسكا إلى توثيق حياة المسلمين في إيطاليا، داخل الجامعات وخارجها، وعلى وجه الخصوص حياة المسلمين داخل الجامعات، حتى لو كانت مجهولة المصدر، وحتى لو كانت مخفيّة، يجب أن تروى، وإلا فإننا نخاطر بأن يقذف بنا إلى غياهب النسيان مرة أخرى، وأن ننتهي تماما كالسلف.