قانون الهجرة الفرنسي.. خيبة أمل ونكوص في بلد الأنوار
أحال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قانون الهجرة الجديد المثير للجدل على المجلس الدستوري أملا في إسقاط البنود التي تتعارض مع مبادئ الدستور. وذلك بعدما صادق البرلمان الفرنسي على قانون الهجرة بموافقة 349 من النواب ومعارضة 186 نائبا.
ويثير القانون الجديد الكثير من المخاوف في الأوساط الحقوقية ولدى الجاليات من القارات الإفريقية والآسيوية التي ترى أنه يضيق الخناق عليها، ومن تداعياته دفع العديد من الفئات إلى مغادرة التراب الفرنسي نحو دول أروبية وأمريكية.
ووفقا لمعطيات قدمها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، فإنه حتى عام 2022 يعيش حوالي 7 ملايين مهاجر في فرنسا أي 10.3% من إجمالي السكان، 35% منهم حصل على الجنسية الفرنسية، وهو ما تعارضه أصوات من اليمين المتطرف.
بنود مثيرة
يتضمن القانون الجديد بنود مثيرة للجدل؛ منها سنّ نظام للمحاصصة (Quota)، بخصوص نسبة المهاجرين الذين يتعين قبولهم في السنة. كما تحولت الإقامة بصفة غير قانونية فوق التراب الفرنسي إلى “جريمة جنائية”، يُعاقَب عليها بغرامة مالية تناهز 3750 يورو.
ويمنح القانون للدولة الفرنسية ترحيل المهاجرين ممن دخلوا التراب الفرنسي في سنّ تقلّ عن 13 عاما، ولا يحوزون وثائق إقامة، بل حتى ترحيل الوالدَين الأجنبيَين اللذين يحمل أطفالهما الجنسية الفرنسية، وتم التراجع عن مبدأ حق الأرض فيما يتعلق بالولوج إلى الجنسية، إذ لم يعد بإمكان شخص وُلد فوق التراب الفرنسي من والدَين أجنبيَين، الحصول بشكل تلقائي على الجنسية الفرنسية.
وتم ربط تسوية وضعية المهاجرين المقيمين بصفة غير قانونية بضرورة العمل في المجالات التي تعرف ندرة كبيرة في اليد العاملة، مثل المطاعم، والفنادق، مع اشتراط خلو سجلاتهم العدلية من الجرائم الجنائية. وتقتضي هذه التسوية إصدار تصاريح إقامة لا تتعدى سنة قابلة للتجديد.
تردي ديمقراطي
وقالت الكاتبة المغربية المقيمة في فرنسا فاتحة أعرور “إن نصوص القانون الجديد- وكل النقاشات التي واكبتها- سيكون لها ما بعدها. فتنامي كراهية الأجانب- خاصة غير المسيحيين منهم- يهدد التماسك الداخلي الهش أصلًا، والمهدد أكثر من أي وقت مضى بالمزيد من البلقنة والتمزق”.
وأضافت الباحثة في الأنثروبولوجيا والعلاقات الدولية في مقال نشرته على موقع “الجزيرة” “لقد ارتبط اسم فرنسا- على الدوام- بالدولة الاجتماعية، والديمقراطية، والحريات واحترام حقوق المقيمين فوق ترابها، بغض النظر عن أصلهم أو لونهم أو جنسهم، وهي علامة مميزة لها بين الشعوب والأمم، لطالما افتخرت بها النخب الفرانكفونيّة عبر العالم. لكن بلاد مونتسكيو، وروسو وجون جوريس، ترسم اليوم صورة قاتمة، عنوانُها التردي الديمقراطي والانكماش الهوياتي، وذلك للأسف، بداية أفول أعتى الحضارات في التاريخ”.
قانون “تراجعي”
وووصف نائب رئيس عمدة باريس سابقا المغربي عمر مرابط هذا القانون بـ”التراجعي”، موضحا أنه “يعيد من جديد تجريم الهجرة غير القانونية تحت طائلة الغرامة والطرد”، معتبرا أن هذا القانون يفصح عن الفورة العنصرية التي ما فتئ يشهدها العقل السياسي الفرنسي، خصوصا اليميني واليميني المتطرف”، مضيفا “تفاصيل هذا القانون توضح أنه سيعقد عيش المهاجرين، وتحديدا المغاربة وغيرهم”.
وأبرز في تصريح صحفي أن “هناك بنودا خطيرة وعنصرية، مثل فرض “الكوطا” في أعداد المهاجرين، الذي يشكل حيفا كبيرا بالنّسبة للمهاجرين الذين يستوفون كافة الشروط”، مؤكدا أن “هذا الشرط سيرفضه المجلس الدستوري حين يتم الطّعن فيه من طرف بعض الفعاليات الفرنسية، لاسيما اليسارية”، ومعتبراً أن “إقرار هذا القانون لتجريد من ‘أساء’ لرجال الأمن من الجنسية هو من أقصى درجات العنصرية”.
انتصار اليمين المتطرف
وقال الباحث والأكاديمي التونسي محمد بن نصر “لقد بات من المعروف، الآن، أنه كلّما اشتدت الأزمة الاقتصادية في فرنسا، وتعمّقت الخلافات السياسية، برزت قضايا الهجرة إلى السطح، تحت لافتات متعددة. وهذه المرّة احتدم الخلاف حول ما عُرف بقانون الهجرة”.
وأضاف في مقال نشره على موقع “الجزيرة” أن الفكرة المحوريّة التي تحكم هذا القانون هي تقليص حظوظ فوز التجمع الوطني (اليمين المتطرف) في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ بدعوى أن الاستجابة لمطالبه ورؤيته لموضوع الهجرة، ستسحب البساط من تحت قدَميه، قائلا “ولكن- في تقديرنا- هذه مراهنة خاسرة؛ لأن الناخب الفرنسي الذي فقد الثقة في السياسيين التقليديين، يمكن أن يفكّر في إعطاء صوته لأصحاب هذه الأفكار الأصليين لا لمن نسخها عن غيره”.