عيد الفطر فرصة للتراحم والتسامح
للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وها نحن اليوم قد أفطرنا وأنهينا شهرنا، أفليست هذه فرحة كبيرة؟ فالعيد من شعائر الإسلام الظاهرة، وحكمه الباهرة، وله معان عظيمة وفيه منافع كبيرة ومصالح عاجلة وآجلة.
إن معاني العيد توحيد العبد لربه وانقياده لله واستسلامه ومحبته إياه، ويتجلى ذلك في قيامه بما أوجب الله عليه من عبادات وتكاليف في هذا اليوم وبما ندبه إليه مستسلماً لأمره وحكمه سواء عرف الحكمة من هذه العبادات أم لم يعرف، ممتثلاً أمر الله تعالى، وهذا هو لب التوحيد وأصله: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، فالمسلم صام شهراً كاملاً وقامه طلباً لرضا ربه ومولاه، وإذا أصبح في عيده أُمر قبل أن يخرج من بيته أن يأكل تمرات وتراً فأطاع، وشُرع له تكبير الرب عز وجل (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله ألله أكبر ولله الحمد) وإظهار توحيده، فامتثل، وفي اجتماع المسلمين لصلاتهم، إظهارٌ لفاقتهم وحاجتهم واضطرارهم إلى ربهم، وأنهم لا يستغنون عن مولاهم طرفة عين، يتوسلون إلى الله في قضاء حاجاتهم وصلاح أمرهم.
والصائم الذي نفعه صومه هو من يلجم نفسه عن الانطلاق في شهواتها ونزواتها، ويحجز جوارحه عن المعاصي، فليس يوم العيد إيذان بمباشرة المعصية، بل هو يوم لإظهار الفرح والسرور والشكر على توفيق الله تعالى لأداء عبادة عظيمة جليلة اختصها الله لنفسه “إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به”.
ومن معاني العيد إظهار شعائر الإسلام، ومن تأمل حال الأمة في صبيحة هذا اليوم أدرك ذلك لا محالة، فالمسلمون كباراً وصغاراً ورجالاً ونساءً يتوجهون إلى بيوت الله تعالى لصلاة العيد، والمساجد تضج بالتكبير، والمنابر تهتز خطابة ووعظاً وتذكيراً والتهاني بالعيد والدعاء بالقبول على كل لسان والفرحة على كل محيا.
ومن معاني العيد تحقيق الألفة بين المسلمين والتعاطف والتراحم والتزاور وصلة الأرحام والتهادي والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. فما أجمل أن يكون المسلمون في عيدهم متعاونين متراحمين، تنبض قلوبهم براً لوالديهم وصلة لأقاربهم وحباً لبعضهم ووداً لإخوانهم.
ويوم عيدِ الفطرِ يوم التمايزِ لهذه الأمةِ المُحمدية، ففي الحديث عن أنسٍ – رضي الله عنه – قالَ: “قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهم يومانِ يلعبونَ فيهما، فقالَ: ما هذانِ اليومانِ؟ قالوا: كنَّا نلْعَبُ فيهما في الجاهليَّةِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ”.
ويومُ عيد الفطرِ هو يومُ التكبير؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].
وهو يوم التَّزاور، يومٌ تلتقي فيه الأسرُ مع بعضها بعضًا، يومٌ يتواصلُ فيه الأقاربُ والأرحامُ، ويتزاورُ فيه الأحبابُ والأصدقاءُ، وأعظمُ الصِّلةِ في هذا اليوم: صلةُ الوالدين والبرُّ بهما ومجالستُهما.
وهو يوم التصافي والتسامح، يسامح المسلمُ أخاه المسلم؛ لأنَّ قلبَ المؤمنِ ليس بالقلب الحاقد، بل المؤمنُ صاحبُ قلبٍ تقيٍّ نقيٍّ لا غِلَّ فيه ولا حسدَ، وصاحبُ نفسٍ طيبة صافية، تغفرُ وتتجاوزُ، وتتكرمُ وتسامح؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: “لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ”، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ، يَلْتَقِيانِ؛ فَيَصُدُّ هذا، ويَصُدُّ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ”.
وهو يوم التَّوسِعةِ والسرور، ففي يوم العيد يُستحب التوسعةُ على الأهل بالطعام والشراب، وباللعب المُباح، والمرح المشروع.
وهو فرصة لإصلاح العلاقات الاجتماعية، بين الزوج وزوجته، وبين الجار وجاره، وبين كل طوائف وشرائح المجتمع، لتعم السعادة أرجاء مصرنا الحبيبة, وأمتنا الإسلامية. أحبابي يا من تحتفلون بعيد الفطر السعيد احرصوا على الطاعات كالتكبير وحضور صلاة العيد، والحرص على التكافل الاجتماعي مع الفقراء واليتامى والأرامل.
وجدير بنا اليوم أن نمد أيدينا بالمصافحة، وألسنتَنا بالكلام الطيب، وقلوبنا بغَسلِها مِن الأضغان والأحقاد والشَّحناء والبغضاء؛ فيجب اليوم أن تتواصَلَ أرحامُنا، وتتقارَب قلوبُنا؛ هذا هو جوهر العيد في الإسلام.
موقع الإصلاح