الديمقراطية التشاركية بين إشكالات الواقع وآفاق التطوير – نورالدين قربال
نظم مجلس النواب ندوة حول الديمقراطية التشاركية بين إشكالات الواقع وآفاق التطوير، وذلك يوم الثلاثاء 25 فبراير 2020. بمجلس النواب، وقد افتتحت الندوة بكلمة لرئيس مجلس النواب السيد الحبيب المالكي، ومن خلالها سأقدم قراءة في الكلمة مساهمة منا في بسط الإشكالات المطروحة.
بعد دستور 2011، انطلق الاهتمام أكثر بالمجتمع المدني نظرا للمقتضيات الدستورية السامية التي نظمت العلاقة بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، لذلك ذكر السيد الرئيس باللقاء الذي جمع مجلس النواب وهيئات المجتمع المدني، وذلك خلال شهر ماي 2019 معربا على مأسسة العلاقة بين الطرفين وهذا مؤشر على بداية مد الجسور بينهما من أجل تمثل المقتضيات السامية للدستور.
وما هذه الندوة إلا تعبير على الالتزام السياسي لمجلس النواب تجاه المجتمع الدني، وكون الدستور أكد على المقتضيات المتعلقة بالعرائض والملتمسات إضافة إلى ذلك تضمن النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة 137 على التواصل مع المجتمع المدني في إطار الانفتاح والتعاون، والتعريف بإنجازات ومشاريع مجلس النواب، والاستماع والتفاعل الايجابي مع انشغالات هذه الهيئات، ونص النظام الداخلي على تحديد مكتب مجلس النواب هذه الأهداف عبر برنامج خاص يعده بشراكة وتشاور مع الهيئات المعنية.
وقد تشكلت على مستوى مجلس النواب لجنة لتلقي عرائض المواطنات والمواطنين، وستتوسع حسب منطوق الكلمة لتشمل الملتمسات في مجال التشريع، إضافة إلى النظام المعلوماتي والخاص بتقديم العرائض، كما اتيح للمجتمع المدني عبر شبكة الانترنيت من الإدلاء باقتراحاته حول المشاريع والمقترحات القانونية.
إن التأصيل الدستوري والقانوني نتيجة طبيعية لنضالات المجتمع المدني على جميع المستويات، وهذا من باب تجويد الحكامة على الشأن العام. والنجاعة على مستوى السياسات العمومية.
ومن شروط استمرار هذه العلاقة، لابد من محافظة المجتمع المدني على استقلاليته، لأن وظائفه متعددة وتحتاج إلى دينامية مطردة مما يضمن له المصداقية المدنية، مع الشعور الدائم بأن الديمقراطية التشاركية ليست بديلا للديمقراطية التمثيلية، واعتبر السيد الرئيس بأن الحدود بين السياسي والمدني ينبغي أن تظل قائمة ومصانة مضيفا أن الجمعيات المدنية التي تقوم بأدوار نبيلة لا يمكن أن تقوم مقام الأحزاب السياسية.
وبهذا التصور سيكون المجتمع المدني دعامة أساسية للمؤسسات، وسيغني الديمقراطية التمثيلية عن طريق آليات تصريفها في علاقتها بالمؤسسات الرسمية من سلطات عمومية ومؤسسات منتخبة.
والدستور واضح في هذا المجال، عنما اعتبر الديمقراطية المواطنة والتشاركية أسا من أسس النظام الدستوري للمملكة إلى جانب فصل السلط وتعاونها وتوازنها، وهذا مؤشر على الروح التكاملية بين التشاركية والتمثيلية بناء على منطق السطور، والجوار والمشترك بينهما احترام مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة والمؤطر لهذا المسار التكاملي، الاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من ثوابت الأمة الجامعة.
والمتتبع للفصول 6و 7 و8 و9 و10 و 11 و12 و13 و14 و15 يستنتج هذه التكاملية بين قطبي التمثيلية والتشاركية، نص ابتداء إلى سمو القانون باعتباره تعبيرا عن إرادة الأمة، وأشار إلى الأحزاب السياسية، وبعدها إلى المنظمات النقابية، ثم أكد على أن حل المؤسستين السابقتين مرتبط بمقرر قضائي، وأعطى للمعارضة قيمة كبرى نظرا لأهميتها في الحياة السياسية والعمل البرلماني، وعرج على الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافية لأنها الضامنة لمشروعية التمثيل الديمقراطي.
بعد هذا المنطق التمثيلي الدستوري يخصص نفس المرجع مساحة كبيرة للمجتمع المدني في إطار الديمقراطية التشاركية، نحو تقديم القرارات والمشاريع، وضرورة التشاور في إعداد السياسات العمومية، وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها. وتقديم ملتمسات في مجال التشريع، وعرائض إلى السلطات العمومية.
إذا كان هذا هو المنطق الدستوري. فما هي الإشكالات التي شابت الحق في تقديم العرائض والملتمسات؟
وجوابا على هذا السؤال عرض السيد رئيس مجلس النواب أربع صعوبات: أولا مشكل مسطري، والخلل في القانونين التنظيميين المتعلقين بالملتمسات والعرائض داعيا إلى المرونة والتوافق على ضوء الممارسات المقارنة، وثانيا النقص في المهارات من حيث الدقة والصياغة والتعليل وحصر النطاق والاقناع، وتعهد السيد الرئيس بتنظيم مجلس النواب تكوينا يستهدف فيه هيئات المجتمع المدني، على مستوى دعم القدرات، انطلاقا من الشفافية وتكافؤ الفرص ومراعاة التنوع المدني، من حيث الاهتمام والمجال، إضافة إلى التواصل عن بعد، وتيسير الولوج إلى المجلس.
والعائق الثالث حسب نفس المرجع، غموض العلاقات بين مكونات التشاركية والتمثيلية، وهذا راجع لحواجز نفسية، إضافة إلى ماهو مادي ومسطري، وللترتيب أهميته في هذا المجال، ومن تم هناك ضرورة ملحة لتكثيف التواصل بين الطرفين وذلك على حسب خصوصية اهتمامات المجموعات، والصعوبة الرابعة تتجلى في شح الحصول على المعلومة التشريعية ولذلك هناك ضرورة ملحة لتفعيل القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة واستثمار كل آليات التواصل الرقمي.
وأخيرا وليس آخرا، يؤكد السيد الرئيس على أهمية المجتمع المدني، والأدوار التي يكفلها له الدستور أهمها إثراء اختصاصات السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة، وبذلك نتعاون جميعا من أجل البناء الديمقراطي، وتعزيز النسق المؤسساتي، والمشاركة الايجابية، ونفح الروح في المشاركة السياسية، وتفعيل البعد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والأمني في إطار الثوابت الجامعة للأمة.