مقام اليقين – نورالدين قربال

توطئة:

عم البلاء، وانتشرت الفتن، وزاغت القلوب، وأصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا، وأصبح الحليم حيران. لكن بفضل الله تعالى يسر الله لنا مسالك لكي نعض عليها بالنواجد، بذلك نخرج من الشك إلى اليقين، ومن الاضطراب إلى الثقة في الله تعالى، ومن الكآبة إلى الطمأنينة، ومن الفزع إلى الثبات. كل هذا يحصل بمقام اليقين فيما وعد به سبحانه عباده.

العلة في ذلك أن اليقين زاد مركزي في حياة الأفراد والجماعات، لذلك ركز عليه العلامة ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين عندما قال:(اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون وفيه تنافس المتنافسون وإليه شمر العاملون، وهو مع المحبة ركنان للإيمان وعليهما ينبني وبهما يمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تفتح وبالمحبة واليقين، وهما يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم.

أثناء الحديث عن مقام اليقين نستحضر علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. فعلم اليقين معرفة مبنية على العلم والفهم. معرفة عن طريق الوحي أو عن طريق الاستدلال أو عن طريق التجارب الحسية التي تتبث الحقائق. أما عين اليقين فيتم عن طريق المشاهدة المباشرة، أما حق اليقين فهو تجربة مباشرة.

1.دلالة اليقين وأنواعه وعلاماته ومكانته:

اليقين هو الثقة في موعود الله، ومؤشراته الثبات على الحق، والصبر على البلاء، والاطمئنان وعدم الجزع. فهو زوال الشك، ومن صفات العلم المتفوق على المعرفة. إنه سكون الفهم مع ثبات الحكم. وتعلم الشيء وعدم التخيل غيره. لليقين أنواع نحو يقين خبر ومشاهدة ودلالة. من علاماته الرجوع إلى الله في كل شيء والاستعانة به على كل الأمور، والترفع عن الذم عند المنع، والابتعاد عن المدح في العطية.

من تم فلليقين مكانة تتجلى في تبوئه مرتبة عالية من الإيمان، واقتناع القلب وثقته بالله تعالى، ومواجهة الحياة بثبات وقوة، فاليقين هو أساس الإيمان والعمل الصالح.

نخلص مما ذكر أن اليقين مرتبط بالإيمان المطلق، والثقة الكاملة وطمأنينة القلب، والرضا بقدر الله، لأنه طريق السعادة والراحة النفسية وسبب لرضا الله والفوز بالجنة وقوة في مواجهة الشدائد. لذلك من الواجب التفكر في آيات الله، وقراءة القرآن وتدبر معانيه، والاستعانة بالله والدعاء، وصحبة الصالحين.

2.تجليات اليقين وثمراته:

من تجليات اليقين التوكل على الله، وتعلق القلب بالله، والرضا بحكم الله وقضائه، والمضي على الحق في الحياة بعزم وثبات، والهدى والفلاح. من تم فلليقين ثمرات وآثار نوجز بعضها فيما يلي:

اليقين من أعظم أسباب حياة القلب، وقوة الإيمان، وتوفيق الله تعالى لعبده على الجواب الصحيح حين سؤال الملكين في القبر، والمعينة على العبادات والقيام بالمشروعات والإقدام على الأمر بالمعروف وإنكار المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى، وانشراح الصدر وسلامة النفس من الخوف والتردد.

3.اليقين والمقاومة الفلسطينية:

باليقين فضحت المقاومة الفلسطينية أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وطوفان الأقصى غيرت مجرى القضية الفلسطينية إقليميا ودوليا. لذلك نرى مقاوما فلسطينيا واحدا يواجه دبابتين للاحتلال ويدمرهما. فاليقين الفلسطيني سيهزم الظن الصهيوني، من تم ففلسطين معركة اليقين، بل إن فلسطين هي اليقين والمقاومة هي البوصلة ليوم الدين، لذلك من الواجب الرفع من همة الأمة وكل الغيورين والشرفاء على التمكن من اليقين والثقة، وتدبير المعركة رغم عدم التكافؤ المادي بنفس رباني محبوب ومطاع، وصدق التوكل على الله واليقين في موعود الله عز وجل بالنصر والتمكين.

4.أقوال في اليقين:

-يقول سفيان الثوري: (لو أن اليقين استقر في القلب كما ينبغي لطارت النفس فرحا وحزنا وشوقا إلى الجنة أو خوفا من النار).

-يقول ابن القيم (إذا باشر القلب امتلأ نورا وانتفى عنه كل ريب وشك وامتلأ شكرا لله ومحبة).

(ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين، منزلة اليقين) قال الله تعالى (وفي الأرض آيات للموقنين) سورة الذاريات الآية 20. وقوله (وبالآخرة هم يوقنون) سورة البقرة الآية 4. وقوله (وما نحن بمستيقنين) سورة الجاثية الآية 32.

روي عن عبد الله بن مسعود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(إن الله بعدله وقسطه جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط). من تم فالتوكل قوة اليقين، الذي به نعرف الله وبالعقل نعقل عن الله. بالتالي فهو يجمع بين الكسب والموهبة. كسب باعتبار أسبابه وموهبة باعتبار نفسه وذاته. والعلم كما قيل يأمر بالتأخر والإحجام، فإن لم يصحبه اليقين قعد بصاحبه على المكاسب والغنائم.

قال أحد السالكين رأيت الجنة والنار حقيقة. قيل كيف؟ قال: رأيتهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورِؤيتي لهما بعينيه آثر عندي من رؤيتي لهما بعيني. فإن بصري قد يطغى ويزيغ. بخلاف بصره صلى الله عليه وسلم.

وأخيرا وليس آخرا

نختم مع ابن القيم بهذه المقولة الراقية التي ينص فيها على ما يلي:( مجالسة الصالحين تحولك من ستة إلى ستة: من الشك إلى اليقين، من الرياء إلى الإخلاص، من الغفلة إلى الذكر، من الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة، من الكبر إلى التواضع، من سوء النية إلى النصيحة.

فاللهم اقذف في قلوبنا رجاءك، ووفقنا في اختبار الثقة واليقين وحسن التوكل والمحبة وحسن تدبير الحياة على هدى من الله تعالى آمين.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى