الحجر الصحي في رمضان فرصة للاعتكاف – سعيدة حرمل

نستقبل شهر رمضان هذه السنة استقبالا استثنائيا، وغير عادي وربما ما مر علينا مثله في حياتنا. فقد جاء هذه السنة في أجواء محنة يمر بها العالم بأسره، فهذا الوباء أوقف عجلة الحياة وصادر التجمعات، فلا مساجد تستقبل المؤمنين ولا زيارة أرحام ستجمع بين الأقربين ولا موائد الرحمن ستضم الصائمين. إلا أن وسط هذه الإجراءات والتدابير الإحترازية “التي اتخذتها الجهات المسؤولة لمواجهة هذه الجائحة”.

وسط هذه المحنة الظلماء يبزغ هلال رمضان كمنحة إلاهية وعطية ربانية فما بعد الضيق إلا السعة و ما بعد الشدة إلا الرخاء،فهو شهر الدعاء وربنا يقول في معرض حديثه عن الصيام في سورة البقرة “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان”هو فرصة للتبتل و الابتهال إلى الحنان المنان الذي بيده ملكوت كل شيء والذي أمره بين الكاف و النون أن يغير الأحوال و أن يعجل  بالفرج و أكيد فرج الله سيكون قريبا بإذن الله. فكيف نستثمر رمضان في ظل الحجر الصحي؟

من السنن المؤكدة في شهر رمضان الأبرك والتي حرص عليها الرسول والصحابة وبعده التابعون وهي سنة الاعتكاف. فماهو الاعتكاف وما علاقته بالحجر الصحي؟

الاعتكاف لغة هو لزوم الشيء وحبس النفس عليه وفي الاصطلاح: المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله، والحجر الصحي هو لزوم البيت وحبس النفس عن الخروج إلى ما يمكن أن يؤذيها ويسبب لها ضررا، إذن فالحجر الصحي فرصة مواتية لتجديد النية وتحويله إلى اعتكاف في شهر رمضان بغية التقرب إلى الله و التفرغ لعبادته وكثرة ذكره وتسبيحه واستغفاره وقراءة القرآن والانقطاع عن الناس والتخفيف من شواغل الدنيا بغية  تزكية النفس وتنقية القلب ففي حديث صحيح البخاري ” كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتكف العشر الأواخر في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيها اعتكف عشرين” .

ويعلل ابن قدامة تسمية الاعتكاف بهذا الاسم بما أخرجه ابن ماجة في سننه، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المعتكف:” هو يعكف الذنوب، ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها”. وهو حديث ضعيف.

وكثير منا كان يتمنى في السنوات التي خلت لو يطبق هذه السنة النبوية بل كان يتحسر على فواتها بسبب العمل و شواغل الدنيا وها قد جاءت الفرصة بمنحة ربانية أن يتفرغ الإنسان لربه ناويا الاعتكاف.

وقد اتفق جمهور العلماء على أن الاعتكاف سنة نبوية في كل وقت ؛ في رمضان وغيره وأفضله في رمضان وآكده في العشر الأواخر منه وأقله يوم و ليلة، فيستحب للمعتكف أن يشتغل بما يتقرب به إلى الله تعالى كالصلاة والاستغفار والذكر واجتناب مالا يعنيه من قول وفعل يشغله عن ربه ولعمري كل هذه المعاني تتحقق فعلا في ظل الحجر الصحي لأن الإنسان لا يخرج ولا يختلط مع الآخرين فيتحقق له التخفف من الشواغل ومن المظالم ومن الذنوب فلا عمل له في رمضان وهو في الحجر الصحي إلا الذكر والمذاكرة والصلاة مع الأهل والدعاء واستثمار الأوقات…

وإن كان من سنة الاعتكاف أن يتحقق في المسجد فعند المالكية  لمن تعذر له حضور المسجد أن يعتكف في بيته قياسا على اعتكاف المضطر والمرأة في البيت وذلك على رأي محمد بن عمر بن لبابة المالكي كما ذكره ابن حجر العسقلاني في الفتح ونقله الشوكاني في نيل الأوطار الجزء الرابع صفحة286 وليس هناك اضطرار وضرورة أعظم وأشد من الحجر الصحي فيجوز أن يدخل المسلم المعتكف في بيته في شهر رمضان لأنه تعذر عليه ذلك في المسجد فيبرمج وقته وينوي الاعتكاف ما بين العصر والمغرب  مثلا ملتزما بسننه وآدابه و كذا المرأة بين الظهر والعصر فيتحقق لهما أجر الاعتكاف.

فاللهم جدد نياتنا وبلغنا أجر الاعتكاف في رمضان في ظل الحجر الصحي وعجل لنا بالفرج.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى