من إنجازات المسلمين في رمضان 5| غزوة بدر الكبرى المعركة المصيرية والاستراتيجية

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.
وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.
ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات.
وقد اخترنا ضمن هذه السلسلة الحديث عن غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك، وفي السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة الموافق 13 مارس 624م، لما لها من أهمية استراتيجية لازالت تداعياتها مستمرة إلى يوم القيامة.
يؤرخ القرآن الكريم لهذه الواقعة باسم معركة الفرقان، كيف لا وقد كانت بمثابة نقطة تحول كبرى للمسلمين وأظهرت قوة الإيمان والتوكل على الله، قال الله عز وجل: {إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال: 41].
وكان طرفا هذه الغزوة المسلمون بقيادة الرسول محمد ﷺ من جهة، وقريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي. وتُعد غزوة بدر أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئر مشهورة تقع بين مكة والمدينة المنورة.
وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع نحو ثلاثمئة رجل ونيف إلى بدر لاعتراض قافلة قريش، وبلغ أبا سفيان خبر مسير الرسول وأصحابه من المدينة المنورة بقصد اعتراضها، فبادر إلى تحويل مسارها إلى طريق الساحل، لكن قريش رأت الفرصة سانحة فخرجت لملاقاة المسلمين بأكثر من 1000 محارب.
وفي صبيحة يوم السابع عشر من رمضان، رتب النبي صلى الله عليه وسلم الجيش في صفوف كصفوف الصلاة، وبدأ القتال بين الفريقين بمبارزات فردية ثم كان الهجوم والتحام الصفوف، وأمد الله المسلمين بمدد من الملائكة قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم } (الأنفال:9-10).
وانتهت المعركة الكبرى باستشهاد أربعة عشر رجلاً من المسلمين؛ ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، بينما بلغ عدد قتلى المشركين سبعين رجلاً معظمهم من قادة قريش، منهم أبو جهل وأميّة بن خلف والعاص بن هشام الذي قتله بلال بن رباح؛ لما عاناه من أشدّ أنواع العذاب، وأقساه في مكّة على يديه.
وأُسِرَ منهم سبعون، وفر من تبقى من المشركين تاركين غنائم كثيرة في ميدان المعركة، وأقام صلى الله عليه وسلم ببدر ثلاثة أيام، ودَفن شهداء المسلمين فيها، وهم أربعة عشر شهيداً، وقد تمت مفاداة الأسرى بالمال، فعاتب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم لقبوله الفداء.
انتهت الغزوة بالنصر المؤزر للمسلمين، والهزيمة الساحقة للمشركين، وفي ذلك قال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وقد تمخض عنها عدة نتائج نافعة بالنسبة للمسلمين، منها أنهم أصبحوا مهابين في المدينة وما جاورها، وأصبح لدولتهم مصدر جديد للدخل وهو غنائم المعارك.