هل السؤال فتنة؟؟ – الزهرة الكرش
في حياتنا أسئلة كثيرة، أوكلما تساءلنا افتتنا؟
أحيانا تدور في رأسك أسئلة كثيرة لا تستطيع الإفصاح عنها: من أنا؟ لماذا خلقت؟ من خلقني؟ هل الله حقا موجود؟ لماذا علي أن أعبده؟…
أسئلة كثيرة الإفصاح عنها يعرضك للاتهام والمساءلة والتشكيك، لأنك تسبح ضد التيار بخروجك عن النسق العام وعدم قبولك بالمسلم به. فتصبح إنسانا مشكوكا في إيمانه!
بالعودة إلى كتاب الله والتأمل فيه تتأكد أن لك الحق في التساؤل، فما وهبك الله هذا العقل لتضعه على الرف، بل أعطاك إياه لتعمله وتتفكر به وتصل إلى الحق سبحانه عن طريقه.
اطمئن من حقك السؤال فهو دليل على وجودك وهو دليل على إنسانيتك لأنك تستعمل أكبر نعمة وهبك الله إياها وأكرمك وميزك بها عن غيرك من المخلوقات، إنها نعمة “العقل”.
اطمئن من حقك السؤال فحتى الملائكة وهي المخلوقات المطيعة التي لا تعصي لربها أمرا تساءلت، وسألت من؟؟ سألت الله جل في علاه ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). فهل استنكر منها ربها السؤال وهو من جبلها على الطاعة؟ أبدا لم يفعل بل بين لها بأدب رباني معجز كيف أنه سبحانه الأعلم (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ثم بعد ذلك علم آدم (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) فكان الموقف الرباني معجزا بكل المقاييس فالخالق يحاور المخلوق ويبين له ما خفي عنه دون أن يعرضه للاتهام(قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) . فحتى إبليس الذي عصى ربه، حاوره سبحانه وتعالى وأورد المشهد في القرآن الكريم دون حرج ليعطينا درسا جليلا في الاستماع والتجاوب والتحاور حتى مع المخالف
( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا). استكبر إبليس وعصى أمر ربه ومع ذلك يسأله سبحانه دون تعنيف (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) جاءه الأمر الإلهي بالسجود فأبى، ولم يمنعه ذلك من أن يتجرأ ويطلب من ربه (قَالَ أَنظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فكيف كان رد العزيز الجبار، طبعا لم يرفض في مشهد تعليمي مبهر(قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ).
ولم تنته الحكاية هنا، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام (وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بلى ولكن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي). يتساءل عليه السلام فيعلمنا دروسا، قال أولمن تؤمن؟ أجاب: بلى، بلى آمن ولكن رغم إيمانه لازال يتساءل. فالإيمان ليس دافعا للسكوت وعدم البحث وعدم التساؤل. بل الإيمان محرك لإعمال العقل وليس لتجميده ووضعه على الهامش. والدرس الأكبر هنا ليس في السؤال بل فيما وراءه ( ولكن ليطمئن قلبي). فتساؤلاتنا ليست عرضية لا غاية ولا مقصد لها ولكنها طريق لبداية جديدة يجتمع فيها الاطمئنان والإيمان. “ليطمئن قلبي” عنوان يجب أن يلازم أسئلتنا حتى يكون للجواب عنها معنى ويتحقق المقصد من وراءها. ثم لمن توجه إبراهيم عليه السلام بسؤاله، توجه به لرب العالمين، وهنا نطرح السؤال بدورنا لم لم يتوجه بسؤاله لأحد آخر؟ توجه به إلى الله سبحانه لأنه هو من يحيي الموتى وهو القادر على الإجابة عن هذا السؤال. فلا معنى أن تتوجه بسؤالك لمن ليست له القدرة على الإجابة عليه وليس له علم كاف ليكون جوابه دقيقا ومحددا. فمن يستطيع أن يجيب إبراهيم عن سؤاله إن لم يكن الذي يحيي الموتى نفسه.
ولكن حذار!! حذار أن تترك السؤال بداخلك ولا تفصح عنه فحينها قد يتحول إلى فتنة أو بداية فتنة تجرك إلى طريق قد لا تعرف نهايتها. أفصح عن أسئلتك لكي لا تتحول إلى عدو لك.
لا تنس أن تتوجه بسؤالك لذوي الاختصاص حتى لا تضيع في بحر من الإجابات بعضها يناقض بعضا. ثم لا تنس أن تعرض الإجابة على كتاب الله لتزداد اطمئنانا. فسؤالك إما أن يكون بداية هداية واطمئنان أو يكون بداية فتنة حقيقية قد تغير مسار حياتك من الإشراق إلى الاحتراق.
الزهرة الكرش