وجوب التعاون والتضامن بين المسلمين

خلق الله تعالى الإنسان ضعيفا، وهو يحتاج ليستمر في حياته أن يتعاون مع غيره، وهذا واضح في أمور الدنيا ، فالإنسان يحتاج لمن يزرع له، ولمن يحصد له، ويحتاج لمن يصنع الآلات، ولمن يسوق البضاعة، ولمن يشتري، وبالجملة : فلا تقوم حياة الناس إلا بتعاونهم فيما بينهم، فلم يقم نبي من الأنبياء بالدعوة إلا واحتاج من يعينه على تحقيق التوحيد، ودحر الشرك، وفي الجهاد يظهر أثر ذلك جليّاً، وقل مثل ذلك في التعليم، ورعاية المساكين، والقيام على الأرامل والأيتام .

قال الله تعالى : ” وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”، وفي صحيح مسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ ؛ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ …) الحديث .

وإن من أعظم محاسن الدين، ما حث عليه ربنا جل وعلا في كتابه المبين، وعلى لسان سيد المرسلين من الأُلفة والاعتصام، والوحدة والوئام، واجتماع الكلمة والعمل على نبذ الخلاف والفرقة بين المسلمين، يقول عز وجل: “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً “، ويقول صلى الله عليه وسلم:”المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله”.

إن وحدة الأمة وائتلافها فيما بينها أعظم عامل على رفع منار الإسلام، وإعلاء شأن المسلمين، وخير معين على نهوضها، وعز سلطانها وقوة شوكتها، وبلوغها منتهى الغايات، وأقصى الآمال التي تحقق لها الرفعة والسيادة في الدنيا، والفوز والفلاح في الأخرى.

ومن أجل تحقيق هذه الغايات العظمى أمر الحق عز وجل عباده المؤمنين بالتعاون على البر، وإشاعة الخير، وتحقيق التقوى، ونشر الهدى بين أفراد الأمة ومجموعها، كما نهى الحق جل وعلا عن التعاون على الإثم والعدوان، لأنه سبب الضعة والهوان، يقول عز وجل: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب”، فالتعاون على البر والتقوى أقوى عامل على جمع كلمة الأمة، ووحدة صفها، وهو الكفيل بإذن الله في حماية الأمة من الأخطار المحدقة بها، والأعداء المتربصين بها.

والمسلمون يحتاج بعضهم بعضاً في شئونهم الدنيوية والدينية، ولذلك كان التعاون بين المسلمين أمراً جللا، وقد أوجبه الله تعالى، وجعل به قيام دين الناس ودنياهم، وقد جاء وصف المسلمين – إن هم حققوا هذا التعاون – بأنهم بنيان مرصوص، وأنهم جسد واحد، وكل ذلك يؤكد على أن التعاون بينهم والتضامن والتكاتف أمر لا بدَّ منه، وهو يشمل جوانب كثيرة في حياة المسلمين يجمعها كلمتا ” البر ” و ” التقوى “، كما قال تعالى : ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ “، وهما كلمتان جامعتان لجميع خصال الخير، من الاعتقاد، والسلوك، والأحكام، وغيرها ، كما قال الله تعالى – في بيان معنى ” البر ” – : ” لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ “.

إقرأ أيضا: أطلقت حملة رقمية لإشاعة الطمأنينة.. التوحيد والإصلاح تساهم في التوعية بخطر تفشي فيروس كورونا

ومن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم، ولا تنتظم مصالحهم، ولا تجتمع كلمتهم، ولا يهابهم عدوهم، إلا بالتضامن الإسلامي، الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى، والتكافل، والتعاطف، والتناصح، والتواصي بالحق، والصبر عليه، ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية، والفرائض اللازمة، وقد نصت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن التضامن بين المسلمين – أفراداً وجماعات حكوماتٍ وشعوبا – من أهم المهمات، ومن الواجبات التي لا بد منها لصلاح الجميع، وإقامة دينهم وحل مشاكلهم، وتوحيد صفوفهم، وجمع كلمتهم ضد عدوهم المشترك، والنصوص الواردة في هذا الباب من الآيات والأحاديث كثيرة جدّاً، فالتضامن معناه : التعاون والتكاتف، والتكافل، والتناصر، والتواصي، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله سبحانه، وإرشاد الناس إلى أسباب السعادة والنجاة، وما فيه إصلاح أمر الدنيا والآخرة، ويدخل في ذلك تعليم الجاهل، وإغاثة الملهوف، ونصر المظلوم، ورد الظالم عن ظلمه، وإقامة الحدود، وحفظ الأمن ،والأخذ على أيدي المفسدين المخربين، وحماية الطرق بين المسلمين داخلاً وخارجاً، وتوفير المواصلات البرية والبحرية والجوية، والاتصالات السلكية واللاسلكية بينهم لتحقيق المصالح المشتركة الدينية والدنيوية وتسهيل التعاون بين المسلمين في كل ما يحفظ الحق، ويقيم العدل، وينشر الأمن والسلام في كل مكان .

إن التعاون قيمة اجتماعية عظيمة، والتعاون سر نجاح الأمم، فبالتعاون تحصل الأمة على غاياتها وأهدافها ويعيش المجتمع في رخاء وسعادة وتسوده المحبّة والألفة، وبالتعاون والتكاتف يقف في وجه العداء ويكبح جماح الشر والظلم، وبالتعاون يشعر كلّ فرد بأهميته وقيمته في مجتمعه وأمّته.

لقد أمر الحق عز وجل عباده المؤمنين بالتعاون على البر، وإشاعة الخير، وتحقيق التقوى، ونشر الهدى بين أفراد الأمة ومجموعها، كما نهى الحق جل وعلا عن التعاون على الإثم والعدوان، لأنه سبب الضعة والهوان، فالتعاون على البر والتقوى أقوى عامل على جمع كلمة الأمة، ووحدة صفها، وهو الكفيل بإذن الله في حماية الأمة من الأخطار المحدقة بها، والأعداء المتربصين بها.

فالتقوى مخافة الله وخشيته في السر والعلن، والعمل بطاعته ومرضاته، والانقياد الكامل لأوامر الشرع بالفعل والامتثال، وللنواهي بالكف والاجتناب.

وأما البر فإنه ثمرة من ثمار التقوى، وهو عنوان الفضائل الإنسانية، والمكارم الأخلاقية، والكمال النفسي، والسمو الروحي من إيمان كامل، ويقين صادق، وعمل صالح، وإحسان شامل، يبتغى بذلك كله وجه الله والدار الآخرة.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى