هل الحداثة ملك لأحد؟ – نورالدين قربال

نتحدث في الأوساط الفكرية الكونية على الحداثة ومابعد الحداثة. لكن هل الحداثة ملك لأحد أم أنها ملك للجميع؟ في هذا الإطار يطرح إشكال المرجعية والمعيارية. فهل للباحث الحق في الانزياح عن الثابت في تأصيل الحداثة إلى نفخ الروح فيها من حيث الدلالة والامتداد؟ هل أصول الحداثة توقيفية أم توفيقية؟ هل هي فضلة أم عمدة؟ هل تتوفر على معنى في ذاتها أم في ارتباطها بأقطاب أخرى في أفق التكاملية المعرفية والالتقائية البرغماتية؟

لا ريب أن التحولات الاقتصادية لها تأثير في تشكيل وتطوير الحداثة. كما نعتبر العمران جزءا من هذا الاستخلاف الحداثي من خلال ربط المسؤولية بالأمانة الكونية. هذا التحول وليد تراكمات عالمية كل يدلي بدلوه فيها. هذا تفسير مرن منفتح على كل الأقطاب البانية، وليس التصور الجامد الذي يرسم لنفسه قوالب جاهزة لا يمكن تجاوزها انطلاقا من مفهوم السمو والشرعية.

إن السوسيواقتصادي حاضر في بناء الحداثة اعتماد على مكون موضوعي هو الزمكان. معتبرين مركزية الثقافة في هذا البناء الحداثي المتنور والمنفتح على كل المحاور. لأن الثقافة تحد من مفهوم السلطة التي تعاكس التوزيع العادل للقيم الديمقراطية، وتؤسس للربط العضوي بين الحرية والمسؤولية.بالتالي فالصيرورة الحداثية تبنى على السيرورة التاريخية.

لا شك أن الإيديولوجية مؤثرة في صناعة الحداثة خاصة على ترتيب الأولويات التالية: المدني والسياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والبيئي والتنموي والأنثروبولوجي، ومما يعمق الشرخ أحيانا النقلة الإعجازية التي صنعها القطب الرقمي. يجب أن نتيقن بأن فن التأويل والتفسير لا يشوش على العلاقة الإنسانية والأبحاث العلمية لأنه لا يفسد للود قضية كما يقال أخلاقيا.

من الواجب ألا نحدث شرخا في سيرورة الحداثة بناء على مفاهيم الطبقات الاجتماعية باعتبار أن الهندسة الثقافية المؤصلة للمعرفة الحداثية متباينة تباين تنوع وليس تباين تضاد. لأن الحداثة لها أصول وملاحق ولكل دوره في المساهمة في البناء. هذا لا يعني أن للحداثة أقنعة تختفي وراءها وإنما هو تنوع يحتاج إلى منهج يتقن حسن التدبير والحكامةالجيدة والعقلانية المرنة والقيم الحكيمة.

إن للفلسفة دورا استراتيجيا في بناء الحداثة، وللعلم هياكل وبنيات يجب أن تحترم لذلك لا داعي للتحليق خارج السرب الموضوعي. لأن للمنهج أدبيات يجب أن تستهلك بعقلانية ومهنية وشفافية. لان التجارب متنوعة والتعاون فيما بينها واجب إنساني من أجل العيش المشترك. أما النظريات المؤطرة للحداثة فهي اجتهادات ظنية الدلالة والمدلول وليست قطعية غير قابلة للقراءة.

إن النظريات الحداثية تؤصل للمشاريع التنموية، وهي خاضعة لثنائية الخطأ والصواب وليس الحق والباطل. لأن الشعور الذي يجب أن يسود هو مهما بلغ الإنسان من العلم يستحضر دوما أنه في مقدمات حتى نفعل الدورة الحضارية للحداثة. هذا التعبير الأخير يوحي بأن أي قطب ساهم في البناء الحضاري الذي تشكل المدنية جزءا منه،فهويساهم في رسم معالم الحداثة.

إن هناك شبه إجماع على أن الحداثة انطلقت من الغرب بشعار ديكارت” أفكر إذن أنا موجود”. لكن تطور المفهوم انطلاقا من خصوصيات غير غربية، بمعنى أن هناك مفارقة بين التغريب والحداثة، والحداثة الناجحة هي التي تتحرر من التصور الغربي إلى أفق الزمكان الكوني الرحب. من تم تتخذ الحداثة بعدا إنسانيا وكونيا. إذن الحداثة ليست ملكا لأحد وإنما هي ملك للجميع.

إن الإبداع هو سر استمرارية الحداثة، والتقليد سم قاتل يسقط الإنسان في العجز. لهذه الاعتبارات كلها تكاملت مفاهيم الحداثة في الساحة المغربية بين من قاربها من خلال الأقطاب التالية: اللغة والعقيدة والفكر، وآخر ربط الحداثة بمنهاج التقدموالدين خصوصية تعتمد الوسطية والاعتدال، التي تجمع ولا تفرق في إطار علاقة الطموح والوضوح.

خلاصة القول الحداثة ضرورة معرفية وفلسفية واجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتكنولوجية وبيئية وأخلاقية وإنسانية. لهذا كله فالحداثة هي التعاون والتوازن بين التطور والقيم الذي يناقض صدام الحضارات ونهاية التاريخ ولا غرو أن طوفان الأقصى سيساهم في نفخ الروح في حداثة جديدة تستوعب الجميع بدون كبرياء واستعلاء بناء على برسترويكا معرفية تربط بين التطور العلمي والأبستمولوجيا القيمية.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى