نعمة الأبناء في الإسلام
من أهم ما يطمح إليه الإنسان في دنياه، ومن أعز الأمنيات على قلبه، وأجمل الرغبات في نفسه: أن يرزقه الله ذرية طيبة وولدا صالحا؛ وقد وصف الله عزَ وجل عباده بأنهم يدعونه أن يهب لهم ذرية نقية صالحة تسعدهم، يقول الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، فالأبناء نعمة كبرى على الناس؛ تملأ حياتهم بهجة وسرورا، وتزيدها أنسا وحبورا، وتمنحهم راحة واستقرارا، ويعيشون سعادة وأمانا.
ولقد عظم الله أجر تربية الولد وتنشئته التنشئة الصالحة وفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عظم المسؤولية واستشعار الأجر فاعتروا الأولاد أمانة من الأمانات التي يسأل عنها يوم القيامة
وتقوم تربية الأبناء على التعامل مع الفطرة توجيها مباشرا بالكلمة أو غير مباشر بالقدوة، ولكن وفق منهج خاص ووسائل خاصة، وهو خبرة تُؤثِّر في السلوك؛ ولذلك فإن الدعاة والمصلحين أول ما يقصدون تربية النفوس وتقوية الأخلاق ويعتقدون أن ذلك هو الأساس الأول الذي تبني به نهضة الأمم والشعوب، والتربية المطلوبة هي تنمية الشخصية الإنسانية في جميع مجالات الحياة.
فالتربية الإسلامية تستهدف هدفين:
الهدف الديني: ويقصد به التنشئة للعمل للآخرة، حتى يلقى العبد ربه وقد أدى ما عليه من حقوق.
الهدف الدنيوي: وهو ما يعرف بالإعداد للحياة، حتى يستطيع مواجهة الحياة بما فيها ويكون منتجا فاعلا فيها.
من هنا نصل إلي أن التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده ويؤديها المربون للناشئين وكان الويل لمن يخون هذه الأمانة أو ينحرف بها عن هدفها أو يسيء تفسيرها أو يغير محتواها قال تعالى: ” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ” [الأنفال: 27، 28]، ويجمع العلماء على ضرورة تربية الأولاد تربية صحيحة قوامها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن من يقوم بهذه المهمة إنما يقوم بعمل عظيم هو امتداد لمهمة الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله تعالى لهداية البشر وتعليمهم.
إن من أعظم النعم على الإنسان هي نعمة الأولاد، فالله جعلهم زينة الحياة الدنيا “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”، كما عدهم نعمةً عظيمة “وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا”، وجعلهم قرة أعين “وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ”.
وهي نعمة تستوجب الشكر ويكون ذلك بإحسان تربيتهم، والاهتمام بتأديبهم، وتعليمهم شؤون دينهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فالبيت له دور كبير بالغ الأهمية في إعداد الأبناء إعدادًا سليمًا نافعًا للبشرية، وديننا عامر، وسنتنا مليئة بما يجب به إحسان تربيتهم، وتقويم خُلُقهم، وتعديل سلوكهم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهى مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع مسؤول عن رعيته).
واليوم تحتاج الأسر إلى قواعد التربية على أصول دينية ثابتة تشد النفوس إلى عرى الإيمان الراسخ، فالمسؤولية الملقاة على عاتق الآباء والأمهات كبيرة جدا لأنها تتعلق ببناء رجال الغد الذين يتولون حماية الدين والحفاظ على الأوطان، وللأسف الشديد قد ضيعها الكثير منهم، فالولد أمانة في عنق الوالدين يُسألان عنها، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نقية خاليةٌ، مستعد للتوجه به إلى أي جهة؛ كما قال – صلى الله عليه وسلم – فى الحديث الصحيح: (كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجِّسانه، أو ينصِّرانه).
وبالتالي فإهمال تربيتهم يؤدي لمخاطر كبيرة على المجتمع ككل، يقول الإمام ابن القيم: وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31]، ثم يقول: “فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا”.
ولهذا الإهمال نتائج خطيرة منها: إتاحة الفرصة لرفقاء السوء أن يصطادوا الأبناء المٌهمَلين من قبل آبائهم، ومنها سرعة انجذاب الأولاد لداعي الفساد ومنها شيوخ الجريمة في المجتمع، مما يترتب عليه إخراج جيل ممسوخ الهوية شاذ السلوك لا يستطيع أن يدافع عن دين أو عرض أو أرض وهذا ما ينشده أعداء الإسلام، ومن أجل ذلك كانت توجيهات الإسلام حاسمة وصريحة في هذا الميدان قال الله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
فعلينا إذن أن نحاسب أنفسنا، وأن نتقى الله في أبنائنا، الذين هم أمانة في أعناقنا، وأن نراجع إيماننا، فالإيمان جذور تتغلغل في القلب، وتمتد فروعها فى السلوك، وتبدو ثمراتها في الأخلاق والمعاملات، وهو ما نفقده في مجال تربيتنا لأولادنا.
الإصلاح