نصرة لرسول الله – الزهرة الكرش

وتبقى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم دروسا عملية نتعلم منها كيف نواجه عقبات الحياة وتحدياتها ففيها نجد الإجابات لأسئلتنا ومن مواقفه المختلفة عليه السلام نتلمس الحلول لما يستشكل علينا من قضايا.

وما نعيشه اليوم من هجمة على الإسلام في شخص رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بالأمر المستجد وإنما هي الحرب في صورها المختلفة، بالأمس حرب على دين جديد اتباعه سيغير الموازين بالمجتمع ويسحب البساط من تحت أقدام من كانوا يعدوا أنفسهم الأسياد بلا منازع ويساويهم بعبيد لهم هم في اعتقادهم أحط من أن يعتبروا بشرا، واليوم حرب على الإسلام خوفا من سيادته في مجتمع يعيش الجوع الروحي، هجوم محموم يستغله أصحابه لأغراض شخصية وأخرى سياسية مستعينين بشعارات رنانة تستخدم في غير محلها وتنطلي على من لا يتقن اللعبة.

بالأمس كما اليوم أسئ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبعد أن جاء حاملا مشعل النور والهداية لقومه لم يستقبلوه استقبال الأبطال ولم يشفع له عندهم ما حمله لهم من خير أو ما عرف به بينهم من شرف المنزلة او ما لمسوه منه من سمو خلق وصدق وأمانة.

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة رسالة الهداية رسالة البعث الروحي لكنه لم يجد الطريق ممهدا لزرع أفكاره في مجتمع نخره الجهل والتعصب، لقد ووجه صلى الله عليه وسلم بمقاومة هوجاء جعلت من كانوا بالأمس يحلفون بأمانته وصدقه يتهمونه بكل دناءة تخطر على بالهم فهو الكذاب والساحر والمجنون والمعتوه والخارج عن ملة الآباء والأجداد ﴿ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [سورة ص الاية 4] ولم يكتفوا بذلك بل تطاولت أيديهم بعد ألسنتهم للنيل منه صلى الله عليه وسلم، لم تكن الإذاية معنوية فقط بل تجاوزتها الى الأذى المادي.

شنت على الحبيب صلى الله عليه وسلم حروب كثيرة كان أهونها الحرب الميدانية في ساحة القتال فعلى الأقل فيها يكون العدو بارزا والحظوظ بالفوز أو الخسارة متساوية فالأداء خلال المعركة ومعنويات الجيش تلعب دورا مهما في ترجيح الكفة أما الحروب الأخرى فهي أكثر ضراوة خاصة حين تكون من أهلك وعشيرتك وأقرب الناس إليك.

واجه عليه السلام كما اليوم حربا إعلامية ونفسية حامية الوطيس هدفها قلب الحقائق وتزييفها واظهار المشهد على غير حقيقته وزعزعة الثقة في كلامه عليه السلام حيث عمدت قريش في اجتماع الوليد بن المغيرة وسادة قريش مثلا إلى إقناع الناس بأنه شخص ساحر، ساحر البيان يفرق بسبب دعواه بين الأهل والأحبة فيجعل الابن يعادي أباه والأب يتنكر لابنه الذي هو قطعة منه ويحارب الأخ أخاه بل ويجعل المرء يعادي قومه وعشيرته [والله إن لقوله لحلاوة، وأن أصله لعذقُ (أي طيب)، وان فرعه لجناه (ثمرة لذيذة) ، وما انتم بقائلين في هذا شيء إلا عر ف انه باطل وان اقرب القول لان تقولوا ساحر فقولوا ساحرا يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه والمرء وزوجه وبين المرء وعشيرته].

واستمرت الحملة العدائية باستمرار الرسالة فحاول الأعداء استغلال كل حدث صغيرا كان أم كبيرا للنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته (حادثة الاسراء والمعراج، حادثة الافك…) ( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: من الآية118] فما تحمله دواخلهم من حقد على نبي الاسلام ودعوته وخوف على مصالحهم جعلهم يخرجون كل طاقاتهم الكامنة ويتوحدوا على هدف واحد هو الإساءة لمحمد وأصحابه ودعوته.

هي حرب قديمة جديدة، تتجدد أشكالها ووسائلها باختلاف العصر فمادام هذا الدين قائما وهذه الدعوة سائرة فسيبقى الصراع حاضرا، صراع الحق والباطل.

لكن ما يستوقفنا هنا هو كيف واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التعنت وهذا العداء الذي كان تارة من الداخل وأخرى من الخارج، لقد كان للحبيب بحق موقف مختلف باختلاف الحدث لكن تجتمع كلها  في الدلالة على سمو خلق رسول الله وحكمته البالغة فما شهد له ربه بذلك عبثا فقد كان راقيا مع العدو قبل الصديق (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم 4].

لم تكن ردود أفعاله عليه أفضل الصلاة والسلام ردودا غير محسوبة تطفئ الغضب ولا تبلغ المقصد وإنما كان صلى الله عليه وسلم ذو بصيرة ورؤية بعيدة المدى يقدر الأمور بقدرها وبمآلاتها فهو لا يريد انتصارات وهمية تشفي غليله وغليل أصحابه اليوم وتقطع الطريق أمام ولوج دعوة الله الى القلوب غدا فكان حليما رفيقا يداوي غيره وهو المجروح فاستحق بحق أن يكون “رحمة للعالمين” بشهادة أعدائه قبل أصحابه.

(خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الاعراف 199] أعرض عنهم عليه السلام والتفت الى بعث الروح في أصحابه، روح الإيمان التي حولتهم من أناس عاديين الى حاملين للواء التغيير، من عبدة للحجارة إلى موحدين همهم ارضاء ربهم وبلوغ جنات النعيم، روح بعثتهم من جديد وأحيت  الإنسان بدواخلهم ففهموا أن حياتهم الحقيقية تبدأ ببناء صرح الإيمان والعمل بكتاب الرحمان والسير على نهج المصطفى العدنان فاسترخصوا أرواحهم في سبيل الله ونصرة لنبيه، نصرة لم تكن تعبر عن غضبة ساعة أو رد متهور قد يضر الاسلام أكثر مما ينفعه، إنما كانت  تعبيرا عن عمق محبة، محبة اقترنت بحسن اتباع واتباع اقترن بحسن عمل وسلوك.

هكذا هو النهج النبوي يعلمنا أن الغضب لله ورسوله يترجم مواقف عملية في حياتنا اليومية من اتباع لسنة رسول الله وتمثل لأخلاقه عليه السلام مع الصغير والكبير والعدو والصديق. يترجم في ابتسامة، في كلمة طيبة، في لمسة حنونة، في قلب يفيض إيمانا، في سجدة يحيى بها القلب فيناديك من أعماقك الآن الآن أنت محب لرسول الله ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [ال عمران31]

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى