من الهدايات المنهاجية في سورة “يس” – عبد الحق لمهى
في المجلس الثالث من مجالس القرآن الخاصة بسورة ” يس”، والمعنون ب” مقام التلقي لعزيمة البلاغ المبين شهادة واستشهادا” [1]، قدم الدكتور فريد الانصاري رحمه الله تعالى ـ كعادته في منهجية مدارسة وتدبر السور القرآنية ـ كلمات الابتلاء وهي قوله تعالى ” وَجَآءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (20) ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسَۡٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (22) ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً إِن يُرِدۡنِ ٱلرَّحۡمَٰنُ بِضُرّٖ لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ (23) إِنِّيٓ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ (24) إِنِّيٓ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمۡ فَٱسۡمَعُونِ (25) قِيلَ ٱدۡخُلِ ٱلۡجَنَّةَۖ قَالَ يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ (27) ۞وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28) إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ (29) يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ“[2]. ثم أعقب ذلك ببيان عام لمعاني الآيات الكريمات السالفة الذكر، مستنبطا منها مجموعة من الهدايات المنهاجية، نقتصر منها في هذا المقام على الآتي:
يقول فضيلته ـ رحمه الله ـ في الرسالة الخامسة من الهدى المنهاجي للمجلس الثالث الآنف ذكره، ما يلي: [3] ” في أن من تمام الحكمة أن تدخر الكلمة المناسبة للموقف المناسب زمانا ومكانا وأن مواجهة الباطل بالقوة قد تكون جهادا واستشهادا، وقد تكون فتنة وتهورا، والضابط في ذلك أمران اثنان هما:
ـ أولا: التحقق من إخلاص العمل لله نية وقصدا، فكثير من التهورات المدمرة المسماة اليوم (جهادا) إنما تكون مدخولة بهوى خفي وعجب شقي؛ فتنقلب فتنة على صاحبها وعلى الناس.
ثانيا: تحري الحكم الشرعي الصحيح في العمل، ولا يكون ذلك إلا بمراجعة أهل العلم، ممن اشتهر بتخصصه الشرعي، وورعه الديني وفضله الخلقي، من العلماء الأتقياء الناصحين الفضلاء، فهم أهل الحل والعقد في مثل هذه الأمور، ولا يراعى في ذلك صاحب الرأي الشاذ، ولا قول من لم يتمرس بفقه النصوص واستنباط أحكامها، ولو كان من حفاظ المتون، فإنما العلم فهم عن الله ورسوله. وهذا أمر يلتبس على كثير من الناس، وهو واضح في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى ” وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا” النساء،83.
مما يتبين من خلال تأمل أولي في كلام الدكتور فريد، مركزية العلماء في الدعوة والبلاغ، وليس كل العلماء مؤهلين لهذا المر، وإنما يقصد بهم من ذكر أوصافهم قبل.
هوامش:
[1]ـ مجالس القرآن مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ، الجزء الأول، فريد الانصاري، ص298 وما بعدها، دار السلام، ط 4، 2010م.
[2] ـ سورة يس، الآيات من 20إلى 30.
[3] ـ مجالس القرآن ، مرجع سابق ، ص 308.