معركة بدر ومعركة التحرير هذه الأيام – وليد الهودلي

كيف نتحدث عن بدر التي تصادف السابع عشر من رمضان هذه الأيام؟ حيث نشترك مع أهل بدر في تقدير أعدائنا لنا بأننا أذلة، “ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة” ونختلف بعد ذلك في كلّ شيء: درجة ونوع العقيدة القتالية، الاستعداد للمعركة، حمل الرسالة والقضية وجاهزية التضحية من أجلها، الإدارة والتنظيم والتخطيط ووضوح الهدف… إلخ. جيش أمتنا اليوم وما جيّشوه في نفوسنا يختلف كليّا عن ذاك الجيش وما جُيّشوا له.

أما أنّ أعداءنا يروننا أذلّة هذه الأيام فحدّث عنها ولا حرج، كيف ترى أمريكا أمّة العرب؟ كيف تنظر ربيبتها في المنطقة إلى الفلسطيني والعربي من حولها وكيف تتصرّف؟ ليتهم ينظرون إلينا على أننا أذلّة فحسب، إنهم لا يروننا ولا وزن لنا عندهم، عندما تعلن مثلًا دولة الاحتلال بقرار الضمّ ترى في الطرف الآخر أنه لا حول له ولا قوّة، ولن يستطيع الوقوف في وجه قراراتهم، وعندما ترفع أمريكا الفيتو في وجه كلّ القرارات التي تنظر بعينها للفلسطينيين فإنها تعلن بذلك أن هذا الفلسطيني لا حقّ له في شيء، وأنهم هم أصحاب السيادة المطلقة، بيدهم كلّ شيء ولا يحق لغيرهم أيّ شيء.

لنقف على أسرار بدر وحقيقة الانتصار والخلاص من حالة الهزيمة والهوان ولنسقط ذلك على معركة التحرير هذه الأيام:

أنزل الله ملائكته وأيّد جنده بنصره بعد أن استوثقوا أنفسهم بحبل الله، انتصروا في ميادين نفوسهم، حيث تحرّرت بادئ ذي بدء من روح الهزيمة، سكنت نفوسهم روح الانتصار، أما عن إسكان هذه بدل تلك في أعماق النفوس فهذه لها قصتها، إنها قصة بناء النفوس المحكم على قواعد صلبة متينة: بنوا نفوسهم على الاستعلاء بإيمانهم على أهل الظلم والفساد والاستكبار في الأرض، إنهم الأعلون بهذا الإيمان. فأيّ أشكال الإيمان هذه الأيام يصنع هذا الاستعلاء؟ هذا هو أهم أسرار الانتصار في معركة بدر، إذا أدركناه أدركنا الانتصار. هؤلاء المطبعون مثلًا من السهل رؤية روح الهزيمة التي تتملّك نفوسهم، وهذه الدول التي اعتادت خفض الرأس والجناح لأعداء الأمّة من السهل أن نرى أيضًا روحها المهزومة، أول الأسرار أن نزرع روح الانتصار، وهذا لا يتمّ إلا بعد أن ننزع ونقتلع من جذورها روح الهزيمة، وهنا يكمن رؤية الجهد التربوي المطلوب وأي نوع من المناهج التربوية هو المطلوب؟

ثاني هذه الأسرار في بدر هي الإعداد المادّي، فلو اعتبرنا النقطة الأولى هي الإعداد المعنوي فهذا هو الإعداد المادّي فمن غير المعقول أن نتنسّم رائحة بدر دون أن نعدّ ما استطعنا من قوّة ورباط كل ما يحققّ النصر، هذه معادلة وسنة كونية في تداول الأيام بين الناس ما بين النصر والهزيمة، في هذا الشهر الفضيل تكثر الدعوات ويبذل الناس قصارى جهدهم في الدعاء وإرساله عبر وسائل التواصل الاجتماعي مزخرفًا وملوّنًا بفلاشات جميلة جدًّا، ولئن كانت هذه الظاهرة إيجابية فعليها ألا تخطف أبصارنا عن المطلوب في الميادين العملية، هناك في المواقع المتقدّمة على ثغور المقاومة فقهوا لغة الدعاء بشكل أفضل وأعمق، الدعاء يحتاج منا أن نسير وفق سنن الله الكونية التي لا تحابي أحدًا ولا تخطئ أبدًا.

ومن أسرار الانتصار البدرية وحدة القيادة والتفاف الجند حولها، وهذا يضمن ألا تذهب ريحنا وألا يأتينا الأعداء من ثغرات نحن صنعناها بأيدينا، ولا أن يتسنى له حربنا منفردين بينما هو يجتمع على قتالنا مع كل قوى الشرّ والطغيان العالمية، لا يمكن أن ندرك سرّ الانتصار متفرقين بينما أعداؤنا يقاتلوننا كافّة.

هذه بعض أسرار بدر، هي معادلة تحقيق انتصار القلّة على الكثرة، الفئة التي يُنظر إليها على أن أصحابها أذلّة على من هم في ظاهر الأمر في مقام العزّة والقوّة والقدرات العالية على البطش والقهر. ما زالت نسائم بدر تمرّ علينا وما زلنا نستلهم من أسرارها أسباب العودة إلى عزّتنا.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى