ورقة علمية لـ”مركز الزيتونة” تُشَرِّحُ أزمة الموقف الأوربي من “طوفان الأقصى”

رصدت ورقة علمية لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حول أزمة الموقف الأوربي من طوفان الأقصى، التباين في المواقف الأوروبية الرسمية من خلال بيانات الاتحاد الأوروبي الجماعية أو تصريحات الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل من ناحية، ومن خلال رصد البيانات الرسمية الصادرة عن دول الاتحاد بشكل فردي من ناحية أخرى.

ولاحظت الورقة -التي أعدها الدكتور وليد عبد الحي- أن القرار الأوروبي يحتاج لصدوره التوافق بين مصالح الدول الأعضاء، والتوافق بين المجلس الأوروبي والبرلمان مع مقترحات المفوضية، وهو أمر ليس من السهل تمريره خصوصاً أن الموافقة لا بد أن تكون بالإجماع وهو ما يزيد الأمور تعقيداً.

وتجلى الاضطراب الأوروبي تجاه الموقف من عملية طوفان الأقصى من خلال ثبات الموقف الأوروبي القائم على “إدانة” الهجوم الذي قامت به المقاومة الفلسطينية ووصفه “بالإرهاب والهمجية”، وهو موقف لم يصبه أي تغير من بداية الطوفان حتى هذه اللحظة.

ويلاحظ في هذا الجانب غياب أو تحليل دوافع الطوفان عن البيانات والتحليلات الأوروبية الرسمية، ولم تتم الإشارة إلى أن قطاع غزة محاصر منذ الانسحاب الإسرائيلي منه سنة 2005، ناهيك عن الهجمات الإسرائيلية المتلاحقة على قطاع غزة، وخصوصاً العمليات العسكرية الكبرى.

كما جسد الموقف الانحياز التام للموقف “الإسرائيلي”، ويتم التعبير عن ذلك من خلال مؤشرات تبدأ برفع الأعلام “الإسرائيلية” على المباني الحكومية أو التأييد التام للعمليات الإسرائيلية داخل غزة، بل وتبرير القتل الواسع للمدنيين الفلسطينيين، وتجنب أيّ انتقادات لأيّ سياسات إسرائيلية، وتتصدر هذا الموقف كل من التشيك والنمسا وهنغاريا وإلى حد ما ألمانيا.

ونبهت الورقة إلى أن القرارات الأوروبية لا تتضمن أيّ إجراءات عقابية لـ”إسرائيل” على الرغم من هول المآسي الإنسانية في قطاع غزة، بل وأحيانا في الضفة الغربية، اقتصرت الإجراءات الأوروبية على خطوات متواضعة مثل فرض لجنة العقوبات الأوروبية لحقوق الإنسان لعقوبات على أربعة أفراد من المستوطنين وجماعتين من تنظيمات المستوطنين المتطرفة، بسبب مشاركتهم في التعذيب للفلسطينيين أو الاعتداء على ممتلكاتهم في الضفة الغربية والقدس

وأشارت الورقة إلى أن البرلمان الأوروبي-الذي يفترض بأنه يمثل الإرادة الشعبية الأوروبية- فشل في اتخاذ قرار بخصوص الأزمة، ولم يتمكن من الاتفاق على قرار إلا بعد أكثر من ثلاثة شهور على القتال، كما أن الاتحاد الأوروبي دعا في بيان وافقت عليه 26 دولة “لوقف إنساني” للقتال في فبراير 2024، ولم تعترض على القرار إلا هنغاريا مما حال دون صدور القرار، وهو ما سعت له ”إسرائيل“.

وأكدت الورقة على وجود تعددية المواقف بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والتباين الأوروبي تجاه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بالإضافة إلى مواقف بعض الدول الأوروبية خصوصا الكبرى منها والذي كشف سرعة اللجوء الأوروبي للإجراءات العقابية، حين الادعاء من الطرف “الإسرائيلي” حتى لو لم يتم التحقق من هذا الادعاء، بينما يكون التلكؤ هو القاعدة في أيّ ادعاءات فلسطينية، حتى لو جرى التحقق من صحتها.

وبخصوص التحول في اتجاهات الرأي العام الأوروبي، تراوحت المواقف الأوروبية بين التأييد الخجول للموقف الفلسطيني، وبين التأييد الواسع على الرغم من أن بعض الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا منعت مظاهر التأييد لفلسطين، وبعضها الآخر اتخذ إجراءات قمعية ضدّ مظاهر التأييد للفلسطينين مثل رفع الأعلام أو ارتداء الكوفية الفلسطينية وهو ما جرى في 12 دولة أوروبية، بل وتمّ تسجيل حالات استخدام عنف تمّ توثيقها في سبع دول أوروبية.

ومع استمرار الحملة العسكرية “الإسرائيلية” لوحظ تراجع في مستويات التعاطف مع ”إسرائيل“ لدى الجمهور الأوروبي بمعدل 9% خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2023، كما أن القطاع الشعبي المتعاطف مع أي من الطرفين، فلسطين أو ”إسرائيل“، كشف عن انشطار واضح في الموقف الشعبي الأوروبي، فمثلا أبدى ما بين 24-31% تعاطفا مع الطرفين، أي بمعدل 28% تقريباً، كما أن ما بين 27-37% من الأوروبيين “غير متأكد من تعاطفه”، وهو ما يعني أن 32% من الأوروبيين لا يُعرف أيهما أقرب لموقفه، وأن نحو 30% من الأوروبيين ليس مع أي طرف.

وركزت الورقة أيضا على الارتباك الأوروبي الذي تجلى في تباين مواقف الحكومات من الطوفان، وتباين في التصويت في الأمم المتحدة من مرحلة لأخرى، وتباين في مواقف الرأي العام الأوروبي، وتباين في درجة اتساق الرأي العام في كل دولة مع توجهات حكومة هذه الدولة، وهو أمر ينطبق لا على دول الاتحاد فقط بل وعلى بريطانيا كدولة فاعلة في السياسات الأوروبية.

واللافت للنظر، توضح الورقة أن التباعد بين مواقف الدول الأوروبية ليس هامشيا، إذ يكفي مقارنة الموقف الإيرلندي والإسباني من ناحية مع موقف النمسا وجمهورية التشيك من ناحية ثانية، فإيرلندا أعلنت في الأسبوع الأول من أبريل 2024 على سبيل المثال، أنها تسعى للانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية؛ “لادماج موضوع عرقلة المساعدات الإنسانية ضمن مقومات الإبادة الجماعية”، خلافا للموقف التشيكي أو الهنغاري.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى