محمد الدكالي يكتب : ملامح من شخصية الداعية المربي البشير اليونسي رحمه الله

عندما علمت بوفاة الداعية المربي الفذ البشير اليونسي رحمه الله، بكيت طويلا وبحرقة وعادت بي الذاكرة بسرعة إلى ذكريات وصور تزاحمت في مخيلتي. أذكر بعضا منها فهي تعطي مجرد فكرة عن سيرة هذا الرجل الاستثنائي، وهو من مواليد مدشر أهل سريف جماعة تطفت بناحية القصر الكبير.

– الذكرى الاولى: سنة 1968. عين السي البشير (هكذا اشتهر اسمه) استاذا للغة العربية في ثانوية “المحمدية” بالقصر الكبير. ربما كان في الثالثة والعشرين او الرابعة والعشرين آنذاك. كان ياتي إلى لثانوية بلباسه المغربي وعلى راسه عمامة صغيرة بيضاء. لم يمض كثير من الوقت عندما اشتكى بعض الاساتذة الفرنسيين لمدير الثانوية أن التلاميذ لم يعودوا يقومون لهم عند دخولهم القسم كالعادة بتحريض من السي البشير الذي استدعاه المدير وسأله عن سبب التحريض، فنفى السي البشير التهمة وأوضح له أنه طلب من التلاميذ ألا يقفوا له وليس لكل الاساتذة معللا موقفه بالحديث ” لا تقوموا لي كما تقوم الأعاجم بملوكها”. وانتهت القصة هكذا.
– الذكرى الثانية: في نفس تلك السنة، وكنت في السادسة عشرة، سمعت انه يؤم في الصلاة وله قراءة جميلة تختلف عن قراءة الأئمة المعتادة، فبدأت أذهب للصلاة وراءه في غرفة كبيرة خصصها مالكها الحاج المرابط رحمه الله للصلاة وذلك قبل أن يبني بحر ماله مسجد ” الفتح” كمقر لجماعة التبليغ، (وفيه سأتعرف على فتى فاضل اسمه سعد الدين العثماني وقد جاء مع جماعة من سوس ومعه هيدورته ومخدة ولحاف حزمها بحبل). وكانت هناك غرفة صغيرة ملاصقة لغرفة الصلاة كان يختلي فيها السي البشير قبل الصلاة. كنت أبحث عن طريقة ما لأتعرف عليه فقد كانت له هيبة رغم صغر سنّه. فعمدت إلى حيلة، فقد كنت أهوى الخط وكتبت إسم الجلالة بخط كوفي ووضعت الورقة في إطار ، ثم طلبت من رجل كان ينظف غرفة الصلاة وينام فيها أن يعطيها للسي البشير لتعليقها في غرفة خلوته، وكان ساعتها مختليا. بعد فترة وجيزة. عاد إلي وأرجع لي اللوحة وقال لي ” قال لك السي البشير علّقعا فقلبك”.
– الذكرى الثالثة: خرجت جماعة من مسجد الفتح الى مدينة وزّان للدعوة، وأظن أن هذا كان سنة 1972، فنزلوا كالعادة في أحد المساجد وبدأوا في “المشورة” لتوزيع المهام، من سيقوم ب”الجولة” في الشوارع لدعوة الناس لحضور “البيان” بعد صلاة المغرب، من سيلقي البيان، من سيعدّ الطعام.. سارع القيّم على المسجد إلى مقدّم الحومة وأخبره بوجود جماعة غريبة في المسجد. بعد وقت قصير جاءت سيارة الشرطة “سطافيط” واقتادتهم إلى الكوميسارية. اخذوا بطاقات التعريف ثم سألوهم عن المسؤول فيهم فقال السي البشير: أنا. أدخلوه إلى مكتب عميد الشرطة الذي بدأ يسأله عن الجماعة وعن سبب وجودها في المسجد وماذا يعتزمون القيام به.. إلى آخره والسي البشير يجيب. في تلك الاثناء سُمع آذان المغرب فقال السي البشير للعميد، هذا وقت صلاة المغرب، نصلي ونكمل. ضغط العميد على الجرس فجاء شرطي مسرعا فقال له العميد، رتبوا لهم مكانا للصلاة. كان هناك فناء وقالوا لهم تصلّون هنا. فرفع السي البشير الآذان في الكوميسارية وأمّ في الصلاة. عاد إلى مكتب العميد، وقال له ” السيد الكوميسير اسمح لي بهذا السؤال: عندما سمع الشرطي الجرس جاءكم مسرعا، لماذا لم تأت للصلاة بعد ما سمعت جرس سيدي ربي الله؟ فوجئ العميد وسكت برهة ثم ضغط على الجرس وقال للشرطي “أعيدوا هولاء الناس إلى المكان الذي جئتم بهم منه”. وانتهى الامر بهذا الشكل.
– الذكرى الرابعة: هلا السبعينات والثمانينات رأيته في حل يجلّد فيه الكتب، تعلم الصنعة وجلد مئات الكتب لاصحاب المكتبات الخاصة من مدينة القصر الكبير وربما من غيرها. بعد بضع سنوات رايته في نفس المحل وهو يبيع الحلويات التي كان يصنعها بيديه. استقال من وظيفته التي اعتبر أنها تحول بينه وبين تفرغه للدعوة إلى الله سبحانه. كان يريد أن يأكل من عمل يده كما وصّى بذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ضحى بوظيفته من أجل الدعوة.
– الذكرى الخامسة: في الثمانينات بنى مدرسة ابتدائية كبيرة في حي جديد بالمدينة ، خصص أرضها وبناها الحاج المرابط رحمه الله كان تاجرا في مواد البناء وكان صموتا يجاهد بماله بسخاء. وأشرف السي البشير على تسييرها، فقد كان مقتنعا بضرورة العمل التربوي والتعليمي، والله سبحانه وحده يعلم ما أثمرته هذه المدرسة من خير في المدينة.
– [ ] الذكرى السادسة: توبة عديد من المدمنين على الخمر والكيف بسبب مواعظ ودروس وخطب الجمعات التي كان يلقيها السي البشير، فصلحت أحوالهم، ومئات من الشباب والشابات والرجال والنساء الذين تشبعوا بروح الدعوة إلى الله سبحانه، فكان الرجل مع إخوانه في جماعة الدعوة والتبليغ خيرا وبركة فاضت على المدينة وعلى المغرب وعلى الجاليات في أوروبا وعلى بلدان كثيرة أخرى .
اللهم ابعثه مقاما محمودا

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى