محطات من تاريخ إصلاح المناهج والبرامج في المغرب
يعد التعليم في أرقى الأدبيات العلمية والفكرية من أهم الركائز التي تقوم عليها المجتمعات الإنسانية، لذلك اهتمت الحضارات والدول رغم تنوعها بتطويره ونشره والاستثمار فيه، لما له من انعكاسات إيجابية على حياة الأفراد والجماعات والأمم، وللعواقب الوخيمة المترتبة على إهماله والتفريط فيه.
وقد شهد المغرب منذ الاستقلال محطات أساسية بصمت تعامله مع التعليم أهمها: إحدث اللجنة الرسمية لإصلاح التعليم عام 1957، وإرساء الميثاق الوطني للتربية والتكوين، واعتماد البرنامج الاستعجالي 2009/2012، ثم الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، والقانون الإطار خارطة الطريق 2022-2026.
كما شهد حقل التعليم محطات لا تقل أهمية عن المحطات الساافة الذكر ومنها: إحداث معهد الدراسات والبحوث حول التعريب عام 1960، وإحداث المجلس الأعلى للتعليم في سنة 1970، وإحداث نظام الأكاديميات في عام 1987، وعشرية الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2010.
وعلى مستوى البرامج والمناهج، فإنها لم تعرف حركية كبيرة باستثناء بعض التعديلات اليسيرة ممثلة في إقرار نظام التعليم الأساسي سنة 1985، واعتماد النظام الجديد للباكالوريا عام 1987 وإعادة هيكلة التعليم الثانوي سنة 1994، ولم تظهر بوادر تغييرات جذرية إلا في مرحلة الميثاق الوطني للإصلاح وما بعدها.
غير أن الخطوات التي جاءت مع الميثاق وما بعده ظلت حبيسة مقاربة تجزئية، لتظهر أول محاولة لمأسسة إصلاح المناهج والبرامج بصدر المرسوم رقم 2.20.473 الصادر في 30 من محرم 1443 (8 سبتمبر 2021) بتحديد تأليف اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج ومجموعات العمل المحدثة لديها وكيفيات سيرها.
وظل هذا المرسوم جامدا قرابة 3 سنوات، وبالضبط إلى 9 فبراير 2024 حين استقبل وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى محمد الصغير جنجار وعينه رئيسا للجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج، لولاية انتدابية مدتها أربع سنوات.
ومن الملاحظ أنه عوض تنصيب هذه اللجنة لتنفيذ الرؤية الإستراتيجية وفق القانون الإطار، فقد رسم لها وزير التربية الوطنية طريقا جديدا ورد في بلاغ تنصيبها حيث قال “يأتي الإرساء المؤسساتي لهذه اللجنة، من أجل مواكبة الأوراش الإصلاحية التي تضمنتها خارطة الطريق 2022-2026”.
وتتكون هذه اللجنة من 35 عضوا، يمثلون السلطات الحكومية المكلفة بالقطاعات المعنية، وممثلي مجموعة من المؤسسات والهيئات الدستورية، وخبراء مشهود لهم بالخبرة والكفاءة والتجربة في المجالات البيداغوجية والتكوينية والعلمية والتقنية والاقتصادية والتاريخية والبيئية والرياضية والثقافية.
ويجدر التذكير بم لاحظه مدير سابق للجودة بوزارة التربية الوطنية عبد الناصر ناجي أن المناهج التعليمية في المغرب كانت تأرجحت عموما بين الرغبة في جعل المنهاج آلية لضبط الدينامية المجتمعية، وبين الرغبة في استعمال المنهاج كأداة للتغيير وإرساء مشروع مجتمعي جديد.
ويرى في مقال بعنوان “نظرات في إصلاح المناهج بالمغرب” نشره على موقع “الجزيرة نت” أن المنهاج يمثل مظهرا من مظاهر السيادة، قائلا “فإن الدولة تسهر على تأطير عملية إنتاجه باعتماد منهجيات تنطلق من حوار وطني تشارك فيه جميع الأطراف الممثلة لمختلف مكونات المجتمع”. وهو ما يعني أن عمليات المراجعة من أهل الشأن يجب في احترام للمجتمع وقيمه، وفي انسجام مع دستوره.