فقه الصلاة قعودا

إن الصلاة هي الركنُ الثاني من أركان الإسلام، وهي عمودُ الدين، وأولُ ما يحاسبُ عنه العبدُ يوم القيامة، شرعها الله في الملكوتِ الأعلى فوقَ سبعِ سماوات، ولها قدرٌ عظيمٌ في ملةِ الإسلام فلا يتهاون بها او يستخف بأحكامها إلا رقيق الدين.ألا فاعلموا أن الصلاةُ لها شروط وفرائض و سنن، ومستحبات، ومكروهات ومبطلات على المسلم أن يتعلمها ويفهمها ليعبدَ الله على بصيرة وهدى.

ومن جملة فرائض الصلاة: القيامُ مع القدرة، وهو ركن في صلاة الفرض، ومعنى كونه ركنا: أن من أخلَّ به مع قدرته عليه؛ فلا تصح صلاته.والدليل عليه: قوله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238].وعن عمرانُ بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بَوَاسير، فسألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (صلِّ قائماً، فإنْ لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ) رواه البخاري.

 والصلاة ـ أيها المسلمون ـ لا تسقط عن المسلم ما دام عقله معه، فيسقطُ كلُّ ما يعجز عنه من الأركان والواجبات والشروط، كالطهارة والقيام وإزالة النجاسة وستر العورة، وغير ذلك، ويصلي على حسب حاله ما دام العقل باقيا، والذي دعانا ان نخصص الحديث في هذه الخطبة عن هذا الركن أي القيام خاصة من أركان الصلاة أن ظاهرةٌ ملفتة و بصورة ملحوظة طرأت في السنوات الأخيرة، سرعان ما انتشرت في مساجد المسلمين ألا وهي كثرةُ الكراسي في المساجد، وكثرة المصلين عليها.

 لقد كنا قبل بضع سنوات لا نكاد نرى في المسجد سوى كرسي أو اثنين، بل وتخلو جملةٌ من المساجد منها، أما اليوم فلو دخلت أي مسجد سيلفت نظرَك كثرتُها في جنبات المسجد. فلابد إذن من تنبيهات في فقه الصلاة حول هذا الأمر: لا شك أن القعود في الصلاة رخصة لكن ما ضابط ذلك ؟ إن شريعةَ الإسلام جاءت باليسر ورفع الحرج، ومن القواعد المقررة: المشقةُ تجلب التيسير، ومن فروعها أنها أباحت الصلاة قاعدا في صلاة الفرض لمن شق عليه القيام، ولا ينقص ثوابُه عن حال القيام لأنه معذور، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) رواه البخاري.

ومن قدر على القيام وجبَ عليه، فإن صلى قاعدا مع قدرته على القيام لم تصح صلاته بل صلاته باطلة، وأما الانحناء اليسير، لا يخل بالقيام وكذا الاعتماد اليسير على عمود أو جدار أو عكاز ونحوه، فما ضابط اليسير؟ ضابطه أنه إن كان بحيث لو أزيل ما استند إليه سقط فهذا غير يسير، وإن كان لو أزيل لم يسقط فهذا يسير.ومن عجز عن الانتصاب قائما في الفرض وقدر على الانحناء أو القيام مع الاعتماد على عصا أو جدار لزمه ذلك، ولم ينتقل إلى الجلوس، ولا يصلي قاعدا على الكرسي أو غيره..

فمتى تجوز صلاة الفرض قاعدا؟ ليس كلُّ مشقَّة أو عذر يسقط به الركنُ في الصلاة، فضابط هذا الأمر أن يلحقَ المصليَ عند الإتيان به مشقَّةٌ معتبرةٌ أو زيادةٌ في المرض، والمعتبر:المشقَّة الظاهرة. فما ضابط المشقَّة الظاهرة: هو ما زال به الخشوع، أي حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قامَ قَلِقَ قلقاً عظيماً ولم يطمئنَّ، وتجـده يتمنَّى أن يصلِ إلى آخر الفاتحةِ ليركعَ مِن شدَّةِ تحمُّلهِ، فإن كان يجد مشقةً وصعوبة، بحيث لو صلى قائما لم يتعقل صلاتَه مما يجد؛فهذا قد شَقَّ عليه القيامُ فيصلي قاعداً وجاز له الجلوس.

أيها المومنون، حينما ننظر إلى الواقع نجدُ تساهلا واضحا من هؤلاء المصلين على الكراسي، ومما ينبغي أن يعلموه أن مقدار الواجب من الركن: زمن تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة، وهو زمن يسير أقل من نصف دقيقة!.

التنبيه الثاني: الكلام على أحوال الصلاة على الكراسي فبالنظر إلى المصلين على الكراسي؛ فيمكن أن نجعلهم على أربعة أحوال.

الحال الأولى: أن يكون عاجزاً عن القيام بالكليّة مع عدم القدرة على الإتيان بالركوع والسجود على هيئتهما، وحكمه: أن يصلي جالساً طيلة صلاته، سواء على الأرض أو على الكرسي، لقوله صلى الله عليه وسلم (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً) ويومئ بالركوع والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، والسنة أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه.

الحال الثانية: أن يكون قادراً على بعض القيام بلا مشقة أو تسبُّبٍ في زيادة المرض. وحكمه: أن يصلي قائماً حسب استطاعته، فإذا شقّ عليه جلس، قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وقال الفقهاء:لا يترك الميسور من أجل المعسور، والمعنى أن المسلم إذا قدر على بعض الواجب وعجز عن بعضه؛ فيأتي بما يقدر عليه ولو لم يقدر إلا على تكبيرة الإحرام وجب عليـه أن يأتي بها قائما، ثم يجلس، ويَقِلُّ في واقع الناس أن يقع العجزُ عن الإتيان بتكبيرة الإحرام قائما، ثم يأتي بعد ذلك بالركوع على هيئته، وكذلك السجود على هيئته مع القدرة.

الحال الثالثة: أن يكون عاجزا عن القيام بالكلية، لكنه يقدر على الركوع والسجود أو أحدهما، وحكمه:  أن يصلي جالسا، فإذا وصل إلى الركوع ركع على الصفة المعروفة، وإذا أراد السجود سجد كذلك.

الحال الرابعة: عكس السابقة، أن يكون عاجزاً عن الركوع أو السجود، قـــادرا على القيام، كما يقع لبعض الناس حينما يجري عملية في عينه فهـذا يجب عليه أن يصلي قائما، ويومئ بالركوع قائما، ويومئ بالسجــود بما يقدر عليه ولا يضره.فإن قدر على الركوع دون السجود وجب عليه الركــــــــوع على صفته، ويومئ بالسجود مع جعل يديه على الأرض إن قدر على ذلك، لأنها من جملة الأعضاء السبعة.

ما حكم الجلوس في صلاة النافلة؟ يجوز الجلوس في صلاة النافلة ولو كان قادرا على القيام، لكن أجره على النصف، لحديث عمــران بن حصين رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعـدا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إن صلَّى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائـــــــم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد) رواه البخاري.

ما حكم السجود على شيء مرتفع، يعمد بعض الناس من الرجال أو النســـاء الذين لا يقدرون على السجود إلى وضع شيء مرتفع يسجدون عليه كوسادة، وظهر هذا في بعض الكراسي التي صنعت للصلاة، وفيها ما يشبه الطـــاولة المنجدة للسجود.فهذا ليس بمطلوب و من فعله فلا بأس به .

ذ. سعيد منقار بنيس

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى