طوفان الأقصى دلالات أولية – عمر طاهيري

لأول مرة في تاريخه يدخل الكيان الصهيوني في حالة من الصدمة والذهول نتيجة الطوفان الجوي والبحري والبري الذي قامت به المقاومة الفلسطينية الباسلة في غزة، في تنسيق كامل أدهش كل المتابعين في العالم. وقد فزع العدو فزعا رهيبا جعله يهاتف الداعم الأول له في بقاء وجوده الولايات المتحدة الأمريكية. ففي يوم واحد أجرى نتنياهو رئيس وزراء العدو اتصالين هاتفيين لطلب النجدة، والتدخل من أجل إنقاذه وإنقاذ جنوده من حرب الفناء التي تقودها المقاومة. وفي قراءة أولية لهذا الحدث المزلزل؛ يمكن استخراج الدلالات التالية:

أولها أن الذي اتخذ قرار الحرب هذه المرة ليس الكيان الصهيوني، كما جرت العادة في الحروب السابقة، بل هي المقاومة التي قررت التوقيت المناسب، ولذلك كان زمام المبادرة والمباغتة عندها؛ فما كان العدو يحسب أنه سياتي يوم يكون فيها في قلب معركة لم يحسب لها حسابا، ولم يُعد لها إعدادا. وها هو اليوم يدخل في حالة ارتباك وصراع داخلي حول ما يمكن فعله لوقف النار فوق رؤوسهم. وحتى قرار الدخول في الحرب الذي توصل إليه نتنياهو ليس عليه إجماع.

الدلالة الثانية أن إقدام المقاومة على الهجوم بهذه الطريقة والقوة يعني أنها أعدت للمرحلة القادمة إعدادا كاملا، وأنه يمكنها الصمود لمدة طويلة في هذه المواجهة.

الدلالة الثالثة أن العقل المدبر داخل المقاومة لا يستهان به؛ فقد استطاع بذكائه خلخلة توازن العدو أثناء الضربة الأولى، من خلال هجوم متعدد الأبعاد، مكن من إرباك منظومة الدفاع الصهيونية، وفتح الباب أمام المقاومة للفتح والقتل وأسر الجنود الصهاينة داخل ثكناتهم.

الدلالة الرابعة أن طوفان الأقصى يؤكد مرة أخرى أن العدو الصهيوني لا تردعه إلا القوة؛ ولم يكن سيوقف زحفه على بقية الأراضي، من خلال بناء المستوطنات، لو لم توقفه ضربات المقاومة الفلسطينية الباسلة.

الدلالة الخامسة أن خيار التطبيع الذي سارت فيه كثير من الدول العربية في السنوات الأخيرة مآله إلى البوار والفشل، فقد مكنت حرب طوفان الأقصى من تجديد الدماء في روح الأمة وبعث الأمل فيها من جديد، وأخرجتها إلى الشوارع معلنة دعمها للمقاومة، ورفضها للتطبيع الذي ترعاه وتشرف عليه أمريكا.

الدلالة السادسة أن بيت العدو أوهن من بيت العنكبوت فها قد بدأت حشود من الصهاينة المحتلين يتوجهون إلى سفاراتهم معلنين رغبتهم في مغادرة (إسرائيل)، طلبا للنجاة بأنفسهم، وقد صرحت بذلك روسيا.

الدلالة السابعة أن المقاومة حققت أهم أهدافها من معركة طوفان الأقصى من البداية؛ فلأول مرة يكون عدد القتلى في صفوف العدو أكبر من عدد شهداء المقاومة. كما أنها استطاعت من اليوم الأول أسر عدد كبير من جنوده، وبرتب مختلفة، من أجل بناء موقف تفاوضي قوي، يمكنها من تحرير أسراها، وإنهاء معاناتهم في سجون الاحتلال، كما سيمكنها من رفع الحصار الطويل عن القطاع، والعودة إلى حياتها الطبيعية.

والدلالة الثامنة أن هذه المعركة وضعت الدول المطبعة في موقف شديد الإحراج أمام شعوبها، فقد أعلن وزير خارجية أمريكا أنه اتصل بها لتدين هجوم المقاومة على الكيان المحتل الغاصب، فلجأت مرة أخرى إلى لغة الخشب، داعية في بعض تصريحاتها إلى “ضبط النفس”، لكنها لم تستطع أن تكون واضحة كما كانت الكثير من الدول الغربية؛ فما خرجت بإدانة واضحة، ولا هي عبرت من موقف الأمة الرافض لاحتلال فلسطين. وكان الاستثناء من ذلك الموقف التركي الذي يبذل جهودا لتقديم الدعم للمقاومة، إلى جانب الموقف القطري؛ وما سوى ذلك لا أثر لهم. أما الموقف الأقوى والأوضح بين هؤلاء فهو الموقف الإيراني.

والخلاصة أن هذه الحرب أتت مرة أخرى لتكشف الغطاء عن خيارات المساومة، وترفع من شأن المقاومة، وتعيد تصحيح البوصلة لمن كان له نظر، فهل ستعود الدول المطبعة إلى رشدها، وتعيد حساباتها، وتوقف مسلسل الخذلان والتخاذل؛ أم أنها ستصم آذانها عن كل ما يجري حولها حتى تنتهي المعركة، ويخسر الخاسر ويربح الرابح؟

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى