طلابي: المجتمع المدني توأم للدولة المدنية

أكد المفكر والباحث المغربي امحمد طلابي أن المجتمع المدني يجب أن تتوفر فيه ثلاثة شروط كي نقول أنه مجتمع مدني وهي: لا مجتمع مدني بدون دولة مدنية – المجتمع المدني يجب أن يتميز عن كل أشكال المجتمعات الأخرى – المجتمع المدني العميق في مواجهة الدولة العميقة يجب أيضا أن يكون ملتزما بروح العصر.

وشدد طلابي أن هذه القضايا المركزية بالتأكيد ستساعدنا في بناء ما معنى الدولة المدنية التي نطلبها أو نرغب فيها في مقبل السنوات أو العقود، إذ لا وجود لمجتمع مدني بدون وجود دولة مدنية سواء كانت دولة مستبدة أو دولة ديمقراطية فكثير من الدول مدنية ولكنها غير ديمقراطية وكثير من الدول مدنية وديمقراطية في نفس الوقت 

امحمد طلابي

اللجنة الوطنية لحوار المجتمع المدني قدمت إرثا فكريا مهما جدا ستستفيد منه هذه الأجيال والأجيال المقبلة وهو كنز مهم جدا وكان نتيجة حصيلة تفاعل قوي واعي من كل المساهمين في اللجنة الوطنية التي كان يشرف عليها مولاي اسماعيل العلوي حفظه الله.

وأضاف طلابي “التاريخ الإسلامي وتاريخنا المعاصر يؤكد أن العالم العربي والإسلامي عرف نواة من المجتمع المدني منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الآن بوجود دولة مدنية وأنا أقول أن الدولة في الإسلام مدنية وليست دينية نعم مرجعيتها الإسلام ولكنها مدنية بمعنى أن الحاكم حتى لو أنه مغتصب للسلطة ينبغي أن يفرض ذلك عبر بيعة شكلية، ولذلك دراسة  الدولة في التاريخ الإسلامي يتطلب منا مراجعة الفقه السياسي وأعتبر أن الفقه السياسي الإسلامي القديم أصبح معيقا بإمكانية بناء نظرية في الدولة اليوم”.

ونبه المفكر والباحث المغربي أنه لن ينفعنا اليوم لا السياسة الشرعية عند ابن تيمية ولا عند ابن قيم الجوزية ولا الأحكام السلطانية لن تنفعنا في بناء ما نريد كدولة مدنية في القرن 21 

وذهب طلابي إلى أن  التاريخ عرف نواتين في المجتمع المدني نواة عند التجربة الإسلامية وعند المجتمع الغربي وهما أكبر تعبير تاريخي عن وجود المجتمع المدني، قد يكون متمددا متوسعا عميقا متجدرا وقد يكون نواة. وقديما التاريخ الإسلامي عرف مجتمعا مدنيا في حدود سفلى أي نواة لا غير ولم يتقدم أو يتطور نظرا لأن السلطة التنفيذية ظلت في يد الحاكم مع التمايز بين الفتوى كمؤسسة تشريعية والقضاء كمؤسسة قضائية وكان منذ الأزل، وهذا التمايز لا وجود له إلا في التاريخ الإسلامي، والآن هو موجود في التجربة الغربية.

وخلص المفكر الإسلامي والقيادي في حركة التوحيد والإصلاح إلى أن المجتمع المدني توأم للدولة المدنية، متسائلا أي دولة مدنية نريد اليوم نحن بعد الربيع الديمقراطي كخلاصة؟ معتبرا أنه في التاريخ البشري عرفت على الأقل ثلاثة أشكال للدولة إما دولة دينية أو دولة علمانية أو دولة إسلامية.

وعرف طلابي الدولة الدينية بتبعية السياسة للقداسة، فما كان الحاكم إله أو نصف إله فما يقوله في السياسة مقدس، مستخلصا أن الدولة الدينية انقرضت وبالتالي حديث المسلمين عن الدولة الدينية هو عدم فهم للإسلام كشريعة وعقيدة وكفلسفة عامة للعمران.

كما تساءل طلابي هل نري دولة علمانية بفصل السياسة عن القداسة هذا في الغرب أصيل، مشيرا أنه في الغرب لولا فصل الدين عن الدولة بشكل  جذري لما وقع النهوض الحضاري على الإطلاق، لأن الدين والإقطاع تسبب بالفعل في تدهور حضاري امتد من القرن 5 إلى القرن 15 الميلاديين، وبالتالي كان ضروريا فصل الدين عن الدولة وبالتالي العلمانية في الغرب أصيلة، لأن المسيحية كدين تسببت في عصر الظلمات في حين كان الإسلام في الشرق يبني حضارة عملاقة، وهذا ما لم ينتبه إليه غير الإسلاميين بأن الإسلام بنى الحضارة والدولة بعكس الكنيسة التي هدمت الدولة الرومانية وهدمت الحضارة.

وطرح المتحدث هل العلمانية مطلوبة أيضا في العالم الإسلامي؟ مشيرا بالنفي أن فصل الدين عن الدولة بشكل مطلق غير وارد تماما، معرفا العلمانية حسب تقديره أن يكون أحد مصادر الدين مصدرا للتشريع.

وتابع طلابي في هذا السياق “نحن اليوم بحاجة لتعريف جديد للدولة العلمانية لاستئناف الربيع الديمقراطي في العقد المقبل ولا بد من حراك جديد من أجل استئناف ما تبقى من مهام بناء الدولة الديمقراطية المدنية.

ووأوضح طلابي أنه لا وجود لمجتمع مدني عميق بدون التزام روح العصر، وأن روح العصر اليوم هو أن البشرية تتشوق إلى الديمقراطية باعتبار الحرية السياسية كقيمة عليا الآن تتشوق إليها الشعوب. تفجرت في فرنسا في القرن 18 وتفجرت في أوربا في القرن 19 وتوقف الربيع الديمقراطي مع الفاشية والستالينينية والنازية ثم استأنف الربيع الديمقراطي رحلته مع السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي إلى أن حط الربيع الديمقراطي في المنطقة العربية في بداية العقد الثاني من القرن 21.

وجاءت مداخلة امحمد طلابي في إطار الندوة الدولية الرقمية التي نظمها قسم العمل المدني المركزي لحركة التوحيد والإصلاح مساء السبت 12 مارس 2022، بالمقر المركزي للحركة بالرباط وعبر البث المباشر على صفحة الحركة في الفيسبوك، في موضوع : ”المجتمع المدني: عشر سنوات من الربيع الديمقراطي والحوار الوطني” وذلك بمناسبة اليوم الوطني للمجتمع المدني الذي يوافق 13 مارس من كل سنة.

وشارك في الجلسة الأولى للندوة كل من الأستاذ عبد الرحيم شيخي؛ رئيس حركة التوحيد والإصلاح، والأستاذ مولاي اسماعيل العلوي؛ وزير التربية الوطنية السابق، والمفكر والباحث محمد طلابي، والأستاذ رشيد العدوني؛ مسؤول قسم العمل المدني، بالإضافة إلى السيد رفيق عبد السلام وزير خارجية تونس السابق. 

فيما شارك في الجلسة الثانية من الندوة الأستاذ مصطفى الخلفي؛ وزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني سابقا، والأستاذ الجامعي الدكتور عبد الحفيظ اليونسي.

الإصلاح

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى