شهر شعبان شهر القراء
شهر شعبان هو شهر القراء”، هذه قولة نُسبت لمجموعة من السلف، منهم سلمة بن سهيل رحمه الله، الذي كان يقول: شهر شعبان شهر القراء، وحبيب بن أبي ثابت كان إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء، وعمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، وهكذا كان دأب بعض الصالحين، من حيث اهتمامهم بقراءة القرآن، فكانوا يختمون القرآن أكثر من مرة في شهر شعبان.
وتعتبر قراءة القرآن في شهر شعبان الذي يغفل فيه الناس عن فضائله، من الأعمال التي يرمي من ورائها المسلمون إلى الاستكثار من الأجر عند الله تعالى، يقول الله عز وجل: “إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ”.
شهر شعبان مائدة القرآن
إن قراءة القرآن الكريم في شعبان لا تفضل على قراءته خارج شعبان، وليست لها أية ميزة تفضيلية، باستثناء رمضان، الذي أنزل فيه القرآن، لكن التمعن في هذا التخصيص الذي سار عليه بعض السلف والصالحين، له ما يقويه ويدعمه، بحيث كان الناس يرون في شعبان ذلك الشهر الموصل إلى رمضان، فيكون الاستعداد والتهيؤ لاستقبال رمضان، روحا وجسدا، وعقلا وقلبا… وذلك عن طريق الإكثار من قراءة القرآن، وحفظه وتدبر معانيه، فكانت قراءة القرآن شاهدا على مدى حرص هؤلاء السلف على استثمار شهر شعبان وعدم التفريط في أيامه ولياليه، وهم في ذلك يتنافسون فيما بينهم، كما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهارِ” (متفق عليه). فكانت مائدة القرآن من الموائد التي يتنافس الناس حولها، بحيث كان بعض التجار يخصص شهري شعبان ورمضان كعطلة سنوية يتفرغ فيها إلى عبادته من صلاة وقيام وصيام وقراءة للقرآن.
القارئ للقرآن كالأترجة
لقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن القارئ للقرآن بالأترجة، وهي الفاكهة أو ما شابه ذلك، إذا شممتها ستجد ريحها طيب، وإذا اكلتها ستجد طعمها أيضا طيب، فهي قد جمعت الطيبوبة باطنا وظاهرا. اخلاصا وسلوكا، روحا وجسدا، وهذا كله ببركة القرآن الكريم الذي يزين المؤمن ويضفي عليه عباءة الطيبوبة، وذلك على خلاف المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ”مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة: ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس له ريح وطعمها مر” ((متفق عليه)). ولذلك استحق القراء عشر حسنات على كل حرف من القرآن يقرأونه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف”(رواه الترمذي). كما أنه يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ يوم القيامة: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا، كما قال بذلك النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قارئ القرآن محمود في الأرض والسماء
إن القرآن كلام الله تعالى، وبه نتعبد، وندعو ونستعين به على قضاء حوائجنا الدينية والدنيوية، فقارئ القرآن يكون في رفعة، كما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين” (رواه مسلم). فتلاوة القرآن تجلب لقارئه السكينة والرحمة، فيكون محمودا في الأرض وفي السماء، فمحمودية الأرض تتجلى من خلال ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”(رواه مسلم). وأما محمودية السماء، فتتجلى في نيل شفاعة القرآن، والاستظلال بظله يوم القيامة، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه” (رواه مسلم). وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانو يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما ” (رواه مسلم). فقراءة القرآن مجلبة لتقوى الله، ونوره في الأرض والسماء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: عليك بتلاوة القرآن؛ فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ضمن الله لمن اتبع القرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقي في الآخرة ثم تلا قوله تعالى: “فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى”.
والحمد لله رب العالمين.
الدكتور صالح النشاط