شعبان شهر مغفرة الذنوب
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير الخلق وخاتم الرسل محمد الصادق الأمين:
1- حكم الصيام في شعبان: سمي هذا الشهر لتشعب الناس في طلب المياه والمعارك بعد خروج رجب الحرام. الصيام في شعبان سنة لكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يصوم فيه، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما،قال قلت يا رسول الله لم تصوم في شهر من الشهور ما تصوم في شعبان قال:«ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان ،ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين،وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»رواه النسائي. وحسنه الألباني(1022).
فالحكمة من الصيام في شعبان هي استغلال غفلة الناس،وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، تعجبه العبادة وقت غفلة الناس، ففي رواية لمسلم رخمه الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: “العبادة في الهرج كهجرة إلي”. فالعبادة في جوف الليل محمودة عند الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ثلثه الأخير،فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:”أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن,”رواه الترمذي. الليل: نصف نصفه الثاني، أي سدسه الخامس وهو وقت النزول الإلهي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:”ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له”رواه الشيخان.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله حين يغفل عنه الناس،فهو يقول صلى الله عليه وسلم:”من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد ،يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ،بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة”. وعائشة رضي الله عنها تخبر عن صيام الرسول صلى الله عليه وسلم في شعبان فتقول: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر من الشهور أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله وفي رواية كان يصوم شعبان إلا قليلا”متفق عليه. وعنها رضي الله عنها أيضا:”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ،ويفطر حتى نقول لا يصوم،وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان”.
2- فضل ليلة النصف من شعبان: شهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى والأعمال ترفع كل يوم وكل عام،جاء في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري: “إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار،وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه” أول معاني القسط في هذا الحديث هو الميزان لما في حديث أبي هريرة وبيده الميزان يخفظ ويرفع، وقال ابن حجر في فتح الباري وظاهره أن المراد بالقسط الميزان وقيل المراد بالقسط الرزق.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: “وأما قوله صلى الله عليه وسلم يخفظ القسط ويرفعه قال القاضي عياض قال الهروي: قال ابن قتيبة القسط الميزان، وسمي قسطا العدل وبالميزان يقع العدل، قال والمراد أن الله تعالى يخفظ الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة ويوزن من أرزاقهم النازلة، وهذا تمثيل لما يقدر تنزيله ،فشبه بوزن الميزان، وقيل المراد بالقسط الرزق، الذي هو قسط كل مخلوق، يخفضه فيقتره ويرفعه ويوسعه، فالله يخفظ ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم النازلة من عنده. ويحتمل أنه أشار إلى قوله تعالى:{كل يوم هو في شأن} أي أنه يحكم بين خلقه بميزان العدل فأمره كأمر الوازن الذي يزن فيخفض يده ويرفعها وهذا المعنى أنسب لما قبله، كأنه قيل كيف كان يجوز عليه النوم وهو الذي يتصرف أبدا في ملكه بميزان العدل، شرح سنن ابن ماجة للسندي. نذكر في فضل ليلة النصف من شعبان ثلاثة أحاديث،أ,لها أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، قال فيه نبي الله صلى الله عليه وسلم: “يطلع الله عز وجل على خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن”.
الحديث الثاني خرجه البيهقي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، وقال صحيح لغيره، ويقول فيه نبينا صلى الله عليه وسلم:”يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين ،ويمهل الكافرين،ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه”. الحديث الثالث خرجه ابن أبي عاصم في السنة، وقال الألباني في ظلال الجنة،صحيح لغيره، وهو قول نبينا صلى الله عليه وسلم :”ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن” نستفيد من أحاديث ليلة النصف من شعبان: – نزول ربنا تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان يكون في الليلة كلها، والليلة تبدأ بغروب الشمس. – يجب على المسلم أن يكثر من الدعاء في هذه الليلة قال ابن حجر الهيثمي الشافعي في الفتاوى الفقهية الكبرى رحمه الله: والحاصل أن لهذه الليلة فضلا،وأنه يقع فيها مغفرة مخصوصة واستجابة مخصوصة ومن ثم قال الشافعي رحمه الله إن الدعاء – يغفر الله الذنوب لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن.
لاحظ لهذا المشرك من هذه المغفرة لأن رحمة الله التي وسعت كل شيء لم تسع الشرك وأهله قال الله تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء،ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}سورة النساء/8 :{ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا}(النساء/116) لا حظ للمشاحن في هذه المغفرة، والمشاحن الذي بينه وبين أخيه شحناء كم حرم نفسه من الخير، فقد تبث في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا، يرددها ثلاث مرت”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود: “فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين”.
3- تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة: من السلف كما ذكر ابن تيمية والهيتمي :من كان يعظم ليلة النصف من شعبان ،ويجتهد فيها ومنهم من نهى عن ذلك قال الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى :”وأما الصلاة المخصوصة ليلتها وقد علمت أنها بدعة قبحة مذمومة يمنع منها فاعلها، وإن جاء أن التابعين من أهل الشام كمكحول وخالد بن معدان ولقمان وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها بالعبادة، وعنهم أخذ الناس ما ابتدعوه فيها ولم يستندوا في ذلك لدليل صحيح، ومن ثم قيل إنهم استندوا بآثار إسرائيلية ،ومن ثم أنكر عليهم أكثر علماء الحجاز كعطاء وابن أبي مليكة وفقهاء المدينة،وهو قول أصحاب مالك والشافعي وغيرهم قالوا وذلك كله بدعة، إذ لم يتبث فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد أصحابه(الفتاوى الفقهية الكبرى).
ولا يشرع أن يخص المرء ليلة النصف من شعبان بصلاة وقيام ولا يومها بصيام ففرق بين فعل العبادة وتخصيصها بزمان أو مكان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤصلا ذلك:”لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ،إلا أن يكون صوم يصومه أحدكم”رواه مسلم وقد انتشرت بدع وظهرت أحاديث موضوعة ترغب في عبادات ليلة النصف،منها:”يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرة قضى الله له حاجته”وقد ذكر النووي في كتاب المجموع الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي أثنا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب وصلاة ليلة النصف من شعبان تسمى صلاة البراءة،كل ذلك بدع ما أنزل الله بها من سلطان.
4- هل يجوز الصيام بعد النصف من شعبان: من الخطأ، يعتقد الإنسان أن الليلة المذكورة في الآية {إنا أنزلنه في ليلة مباركة}الدخان/3،هي ليلة النصف من شعبان فلقد دل القرآن على نزول القرآن في ليلة القدر قال تعالى:{إنا أنزلنه في ليلة القدر}وليلة القدر في ليست في شعبان وإنما في رمضان لقول الرحمن الرحيم:{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}البقرة/185، روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا”، وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن هذا الحديث لا يصح، منهم الإمام أخمد رحمه الله وممن صححه من قال بأن النهي للكراهة وليس للتحريم، ونستثني من هذه الصور من الكراهة: -من اعتاد أن يصوم صوما صام ولو انتصف شعبان، والدليل من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم :”لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه”رواه البخاري ومسلم – من أراد أن يصوم معظم شعبان كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . – من كان عليه قضاء أو صوم واجب فلا خلاف في وجوب صومه ولو انتصف شعبان. وقد ورد النهي عن صيام أيام الشك كما جاء في السلسلة الصحيحة: “احصوا هلال شعبان لرمضان ولا تخلطوه برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم ،وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم ،فإنها ليست تغم عليكم العدة” وقد جاء عند أبي إسحاق عن صلة قال:كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مصلية فقال كلوا ،فتنحى بعض القوم فقال إني صائم،فقال عمار :من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم” شهر شعبان شهر الاستعداد لرمضان الكريم ،ومغفرة الله وسعت كل شيء.وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
إعداد: عبد الرحيم لقشيري