شبار يكتب: القدس وفلسطين.. والسياق المختلف

ما يقع اليوم في القدس وفلسطين عموما، أحداث تشبه من أوجه كثيرة نظائر لها سبقت من العدوان والقتل والتخريب؛ لكن المختلف هو سياقات ومعادلات جديدة داخل فلسطين نفسها، وفي الوجدان والهوية المشتركة للأمة، وفي موازين القوى ومبادئ المناصرة الإنسانية.
ـ من ذلك أن سياسات عزل القضية الفلسطينية، وتطويقها بجعلها قضية محلية وعزلها عن محيطها الاقليمي، بعقد اتفاقات صلح أو هدنة أو تعاون، مما كانت تراهن عليه إسرائيل منذ عقود الى وقت متأخر، لم تنجح ولم تؤت أكلها لأنها لم تكن حلا ولا توافقا على حل، وإنما استمرار في الإضعاف والعدوان. وهو ما نرى نتائجه العكسية داخل هذه الدول من خلال المسيرات الشعبية الحاشدة، بل والمواقف الرسمية المعبر عنها من مختلف المؤسسات. فلا أثر للاتفاقات على العمق وإن كان لها تشويش، أو منافع مادية على السطح؛ العمق هو تجذرالقضية في الدين والتاريخ والمبادئ والارتباط بالأرض، العمق هو قيم الوجود المناصرة للقضايا الإنسانية والاجتماعية العادلة. والأصل في هذا العمق أنه المشترك بين المسلمين وكل المدافعين عن القيم والمبادئ الإنسانية، في حملهم لهذه القضية، وليس منحصرا في الفلسطينيين وحدهم؛ ومن ثم استحالة اجتثاثه لا كيفا ولا كما. وذلك يعني أن أي حل أو توافق ينبغي أن يستحضر جوهر القضية لا شكلها فحسب، أي أن يضمن الحقوق العادلة ورفع صور الظلم والعدوان والتوسع، التي تستنكرها كل المواثيق الدولية. والتاريخ، قديما وحديثا، علمنا أن أصحاب القضايا الحقة والعادلة ينتهون الى الانتصار مهما طال الحصار.
ـ من ذلك أن قضية فلسطين، كما كانت وهي اليوم أقوى مما كانت، محرك ومنبه قوي لضمير الأمة والعالم، كلما أصابه الذهول عن قيم العدل والكرامة والحقوق والتضامن والتعاون الإنساني. فليس ثمة حدث حرك العالم من هذه الزوايا سواء مع أو ضد، في ظل اجتياح الوباء للبشرية، كما فعلت هذه القضية. ولا يخفى أن ثمة معادلات حضارية جديدة أفرزها الوباء في نسيج السياسات والعلاقات الدولية، والتحولات التدريجية في موازين القوى، الذي بإمكانه أن ينعكس بشكل أو بآخر على المواقف المختلفة من القضية، مادامت تنبض بالحياة ويحملها الجميع.
ـ من ذلك أن صورة طفل يقف شامخا راسخ القدمين في الأرض، يحدق بنظر ثاقب متقد، الى نفر من الجنود يصوبون أسلحتهم نحوه وهو أعزل، تلخص لنا حاضر ومستقبل القضية؛ بين من يحملها، يسكنها وتسكنه وجودا روحيا معنويا، ووجودا أرضيا ماديا؛ وبين من تحمله يركبها فحسب كما أتاها يمكن أن يغادرها.
ـ من ذلك أن الله تعالى أقام السموات والأرضين بالعدل؛ وجعل الناس خلفاء في الأرض ليقوموا بالقسط والعدل؛ وجعل النصر سنة حليفة للأمم العادلة أيا كانت ملتها، والهزيمة سنة حليفة للأمم الظالمة أيا كانت ملتها. والتاريخ، مرة أخرى، في قصص القران أو خارجها، يحدثنا عن سقوط وتهاوي الأمم كلما حادت عن هذه السنن، التي لا نجاة منها إلا بتضافر جهود الخلق على منع الظلم على المظلومين، ومنع الفساد في الأرض. فإن لم تكف سنن العدل الاختيارية بين الناس، فهناك سنن القهر الكونية التي لا تعرف الاستثناء، وكفى بالوباء واعظا لمن ألقى السمع وهو شهيد. فاللهم ارفع الظلم عن فلسطين وأهلها، وعن المظلومين والمستضعفين كلهم في مشارق الأرض ومغاربها.
بقلم الدكتور سعيد شبار 
-*-*-*-*
ملحوظة: مقالات الرأي المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الجهة الناشرة

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى