د. أوس رمّال يكتب: شهداء الحقيقة في غزة… حين يهزِم الصوتُ والصورةُ رصاصَ الغدر

لم يكن ما جرى بالأمس في غزة مجرّد خبر عابر في موجة الأحداث؛ بل كان جريمة مكتملة الأركان، خطط لها الكيان المحتل بدم بارد، حين استهدف الفريق الصحفي لقناة الجزيرة، وعلى رأسهم الشهيد أنس الشّريف ورفاقه الأربعة؛ وهم في قلب الميدان، يوثّقون للعالم ما يجري على الأرض من مجازر وجرائم حرب.
لقد اغتالهم العدوّ غدرًا، لكنه فشل في إسكاتهم أو محو أثرهم. فقد انتصروا عليه قبل لحظة استشهادهم، بصبرهم على الجوع والإنهاك، وبثباتهم في مواجهة الموت، وبإصرارهم على أن يصل صوت الحقيقة وصورة المأساة إلى أقصى بقاع الأرض. رحلوا إلى جوار ربهم شهداء في سبيل الحق، بينما نال الكيان المحتل الخزي والعار، وأثبت مرة أخرى أن رصاصه أجبن من أن يواجه الكلمة الصادقة والصورة الناطقة.
إن ما جرى بالأمس لا يمثّل فقط جريمة بحق أفراد، بل هو اعتداء صارخ على الحقيقة نفسها، ومحاولة يائسة لإسكات الرواية الفلسطينية التي كسرت الحصار الإعلامي لعقود. لكن دماء الشهداء، سواء من الصحفيين أو المقاومين، ستظل وقودًا لاستمرار المعركة على جبهة الوعي، وستبقى صورهم وأصواتهم شاهدة على زيف رواية العدو وبطلانها.
والمؤلم أن هذه الجرائم تتواصل بينما لا تزال بعض الدول العربية والإسلامية ماضية في مسار التطبيع مع هذا الكيان الغاصب، وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن الدم الفلسطيني رخيص إلى هذا الحد. إن استمرار هذه العلاقات، بالإضافة إلى أنّه يشكّك في مصداقية الادعاءات الرسمية بالحرص على القضية الفلسطينية، فإنه يمنح الاحتلال غطاءً سياسياً وأخلاقياً يشجّعه على الإمعان في بطشه وعدوانه. وإن أقلّ ما تفرضه الأخلاق والمروءة وواجب الانتماء للأمة، أن يُعلَن وقف هذا التطبيع فورًا، وأن تُسحب أي شرعية أو غطاء يُمنح لهذا المحتل المجرم.
وهنا لا بد من كلمة صريحة لحكّام الدول العربية والإسلامية جميعًا: لقد تأخرتم كثيرًا في تدارك الأمر، وإن لم تبادروا الآن، قبل فوات الأوان، إلى نصرة المقاومة وإمدادها بما تحتاجه من سلاح وعتاد، فإنكم ستشهدون بأعينكم على هدم آخر جدار يقف سدّا منيعا يقيكم أطماعَ الكيان المحتل، سواء منها أطماعه التي يعلنها بوضوح، أو تلك التي ما يزال يخطط لها في الخفاء.
لقد انتهى زمن الكلام، وحان زمن الفعل. ومن يدّعي نصرة الفلسطينيين ومقاومتهم المشروعة الباسلة، وجب عليه أن يمدّهم بما يحتاجون من الزاد والعتاد، وألّا يكتفي بالشعارات الرنانة أو بيانات التنديد، بل أن يقتدي –على الأقل– بحلفاء الكيان المحتل؛ الذين يزاوجون بين المواقف السياسية والدعم العسكري الميداني لحليفهم.
رحم الله الشهداء أنس الشّريف محمّد قريقع وإبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل، وكل شهداء غزة وفلسطين، وجعل دماءهم منارة تضيء دروب الأحرار، ووقودًا لمعركة التحرير، حتى يكتب الله النصر لأهل الحق، والهزيمة والعار لآلة الاحتلال الغاشمة.
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج 40)