دروس وعبر من مأساة “البراءة والوحش” – الحبيب عكي

مرة أخرى، يهتز الرأي العام الوطني قاطبة هذا الأسبوع، على إثر الجريمة الشنعاء والبشعة التي ذهب ضحيتها الطفل الضحية والفقيد البريء المسمى قيد حياته “عدنان بوشوف” (11 سنة من طنجة)،حيث امتدت إليه أيادي الغدر والخطيئة بالاختطاف والاغتصاب والعبث بجسده الغض الطري وقتله ودفنه، بطريقة وحشية قذرة، لازالت تفاعلاتها الغاضبة مستعرة ومستمرة، تعيد على الجميع طرح الأسئلة الحارقة للمرة كم وكم، ما الدرس المستفاد، ما الحل الناجع وما الإشكال، وهل للجرح من إيلام ولإيقاف نزيفه من سبيل، حتى لا يكون الضحية مجرد رقم آخر في متتالية لا تنتهي؟؟

أولا، تعازينا الحارة ومواساتنا الأخوية إلى أسرة الطفل الضحية “عدنان”، نسأل الله له الرحمة وفسيح الجنان، ولأهله جميل الصبر والسلوان، ثم نستسمحهم لبعض الحديث عن الموضوع الذي أصبح حديث الرأي العام المحلي والوطني، باعتبار الطفل طفل الجميع، وباعتبار ما أردنا له من الحفظ والسلامة لا زلنا نريده لكافة الأطفال، حفظهم الله جميعا.

1 – الدرس الأول: هو الغضب العارم والاستنكار الشامل، والتعبئة العفوية والحركة البحثية التلقائية، التي حظيت بها حيثيات الجريمة في كل مراحلها وبكل تفاصيلها (اختطاف..اغتصاب..عبث..قتل..دفن..إيقاف..) من طرف جميع فئات الشعب المغربي من أقصاها إلى أقصاها، في ساحة الجريمة أولا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ثانيا، مما أعطى الدليل القاطع وللمرة كم وكم، على أن هذا الشعب المغربي الأصيل على شيء متين، على قيم ودين وتضامن وتعاون، – مهما تنكر لقيمه بعض المتنكرين وحاول التشويش عليها بعض المشوشين – فما أن يشتد به الخطب حتى يعود إليها خيطا رفيعا فاصلا ومرجعا حكيما وأملا مفصليا.

2 – الدرس الثاني: أهمية الطفولة عند الجميع وأولوية حمايتها وضمان حقوقها، خاصة ما يتعلق منها بالمروءة والعفة والحرية والكرامة..، وهي عند الجميع خط أحمر مهما كانت ثقافته أو وضعه الاجتماعي، فقد يقبل بكل شيء إلا أن يرضى الدنية في دينه أو يرضى الفاحشة على أهله، لذا فقد يعافس المرء حقوقه وحقوق أهله في الصحة والتعليم..والسكن والإطعام..واللعب والترفيه..، فيبلغ منها ما بلغ ويجلب منها ما جلب مما كثر أو قل، تضحكه الأيام مرة وتبكيه الدهور مرات ومرات، ولا ضير في كل شيء إلا العفة والكرامة فمهما جاعت الحرة لا تأكل بثدييها، وهذا مقياس تحضر وتقدم وازدهار شعبنا، ولتكن للشعوب مقاييسها، فذلك شأنها، فكل الناس معافى إلا الديوثون ممن يرضون الفاحشة على أهاليهم والدنية في دينهم.

3 –  الدرس الثالث: هناك فعلا أصوات نشاز، تحاول الخروج عن الإجماع الوطني، وتسعى جاهدة بالتشويش عليه، ومع الأسف كثير ما يتم لها ذلك ولو في الظاهر، ومنهم بعض المسيطرين على وسائل الإعلام “التائه” والمنشطين لبرامجه “المستلبة” وبعض الفاعلين في مواقع التواصل والمواقع الإباحية ممن يروجون للشذوذ والرذيلة والفواحش والمجاهرة بها، ومنهم كذلك بعض لوبيات صناع القرار المأجورين وتدبير المؤسسات المأسورين التي تنجح كثيرا في جعل المواطن بين تناقضات صارخة بين ما يعتقده ويريده من الدين والقيم والأخلاق وما يفرض عليه ولا يريده من بعض مظاهر الاستلاب الدراسي والتفسخ الإعلامي والميوعة الفنية..

4 – الدرس الرابع: هو موضوع الطفولة والفضاء العام، وقد أصبح – أكثر من أي وقت مضى – إشكالا حقيقيا يقض مضجع الطفولة بما يهددها فيه من أخطار حقيقية في الشارع.. في الأسواق والسويقات.. والسواقي والحارات.. في الساحات والحدائق والغابات.. في الملاعب والشواطيء.. بل حتى في بعض المدارس والكتاتيب حيث بعض منعدمي الضمائر.. ومنازل القسوة والعنف وجمعيات الأحداث والحوادث..، حيث فظاعة التيه..والاعتداء..والضرب والجرح..والتغرير والخطف..أو حدوث حريق أو غرق في مكان أو عض كلاب ولدغ زواحف..، آلاف من الأطفال يتعرضون لهذا في صمت، وقليل منهم من يشتكي أو يتصيد الإعلام مأساته، ترى كيف يمكن تجاوز هذا الوضع الرديء والحد منه، سؤال مجتمعي ينتظر الإجابة الكافية والشافية، وفي انتظار ذلك ليس للطفولة غير الآباء والأقارب والجيران وأهل الحي، إذا ما وعوا أن النجاة نجاة الجميع لا نجاة الفرد، ونجاة الحي لا نجاة أسرة منه، ومن لم يطفئ النار في بيت جاره أحرقت داره، ومن لم يربي أبناء جاره أفسدوا أبناءه.

5 –  الدرس الخامس: هو هذا الإجماع الغاضب العارم الذي ينادي بضرورة القصاص للطفل الضحية “عدنان”، وأهله ومن خلالهم لكل الطفولة المغربية وهو حق مشروع، قال تعالى:”ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون” البقرة/179. والجاني قد حكم على نفسه قبل أن يحكم عليه غيره،(حكم عليها بتغييبه كما غيب الضحية)، ومن لم يبد النتانة الجرثومية أنتنته، ومن لم يقطع رأس الأفعى لدغتهومن لم يطفء النار في بيت جاره أحرقته..، غير أن حماية الطفولة – في نظر الكثيرين – ليست مجرد قصاص على أهميته وردعه، حماية الطفولة مشروع متعدد الجوانب ومتكامل الحلقات، لا مجرد قصاص مهما كانت قساوته ولا صراخ مناسباتي حارق أو هيجان موسمي عاصف، حماية الطفولة تكامل مجهودات وتنسيق برامج وفعالية خطط بين:

1 – الحكومة من جهتها بسياسات وبرامج واضحة وتدابير ملموسة تحمي الطفولة والشبـــــاب.

2 – المؤسسة التشريعية بتجديد منظومة القانون الجنائي بما يردع الجناة من الوحوش البشرية.

3 – العلماء والباحثون للبحث عن الأسباب المعقدة للظاهرة والمساهمة في علاجها ببرامج التربية الصحية والجنسية والبيئية والفنية..الهادفة والمناسبة، وزرع القيم والأخلاق وتقوية الوازع الديني في المجتمع.

4 – الأسر المغربية بتربيتها “الوالدية” على قيم الدين والمسؤولية والاحترام والحقوق والمواطنة.. 

5 – الفاعلون التربويون في المدارس، والمدنيون في الجمعيات، والحقوقيون في المرافعات، والإعلاميون ببرامج هادفة وحملات تحسيسية تحمي الجمهور الناشئ من الانحرافات الفكرية والسلوكية.. ومن كل ما يهدد أمنه الروحي وسلامته الجسدية، أو يجلب المفاسد والمهالك على العباد والبلاد.

6 – الدرس السادس: وهو ضرورة الصدق والمصداقية في الأقوال والأفعال، سياسات وأفرادا وقوانين ومؤسسات، فحينما ننادي بمجتمع العفة والكرامة والقيم والأخلاق، فهل يستقيم حديثنا مع حديثنا في نفس الوقت من جانب آخر وربما بقوة أكبر عن “الحرية الجنسية”، و”الحرية الفردية” و”الإباحية والمشاعة” و”حرية التصرف في الجسد”..وحرية ممارسة الدعارة والدعارة المقنعة حتى للقاصرين، بل ونروج لذلك بخردة من البرامج الإعلامية والمدبلجات المزبلية والمواقع الإباحية، وتسليط الأضواء على التافهين ورفعهم إلى مستوى القدوات والمشاهير، وغير ذلك من تفاهات الأضواء البراقة التي لا تؤدي إلا إلى عكس ذلك.

هل يستقيم حديثنا عن الاستقامة والعفة والكرامة وسياساتنا لا زالت تؤسس للفقر والتهميش وغير ذلك مما يسبب الهشاشة للناس ويدفع ضعاف النفوس منهم أفرادا وشبكات للدعارة الشعبية والفاخرة،(بعض الأمهات العازبات..والمثليين والسحاقيين..والبدو فيلين..والزوفليين..) خاصة أولئك الذين يرون في ذلك تحررا وتقدما حتى لو مارسوا على الكلاب أو مارس عليهم الكلاب والعياذ بالله؟

وهذا لا يعني أننا ننادي بمجتمع ملائكي، فعلى الدوام هناك انحرافات في كل المجتمعات، ولكنها تكون قليلة ،مستورة، وتحاصر، ويستتاب مبتليها ويساعدون على العلاج، وعند الإصرار والمجاهرة قد تطبق في حقهم حدود التعزير والتهجير والقصاص عند اللزوم ، ورغم ذلك تبقى الوقاية خير من العلاج، ومن سبل الوقاية ضرورة توعية النشء، فمن كثرة الغزو الفكري قد اختلطت لديه النماذج والثقافات والأنماط والأساليب في الحياة، ولم يعد يجد أي حرج في أي نمط، حتى أن منهم من يعقد قرانه في الكنيسة بتراتيلها، ومن يعقده في جوقة شيطانية بطقوسها، ومن لا يعقده على شيء بالمطلق، لمجرد أنه قد تشبع بذلك عبر المدبلجات ولم يعد يرى في خطاياه بأسا ولا مخالفة، وصرف الشهوة عند المنحرفين ليس بالضرورة في تكوين الأسرة والأسرة الشرعية ما دام الاغتصاب والعلاقات “الرضائية” متاحة حتى بالمجان.

وتبقى مقاصد الدين خمسة منها حفظ الدين وحفظ النسل..، ولا يتحقق هذا في المثلية و لا في السحاقية، وحرمة المسلم على المسلم في دمه و ماله وعرضه، ولا يتحقق هذا في الاعتداء البيد وفيلي ولا الزوفيلي..، وقد جعل الإسلام حدا للممارس على الحيوان فكيف بالممارس على الإنسان والإنسان الصبي القاصر..اتقوا الله.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى