خمسة أشياء لاغتنام عشر ذي الحجة المباركة
الحمد لله ٱلَّذِي جَعَلَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فضل بعض الأيام على بعض وجعل أيام عشر ذي الحجة من أفضل الأيام حيث أقسم بها فقال تعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر: 1، 2].
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أمرنا باغتنام العشر فقال: { ما مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّه؟!ِ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ !!إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ } أخرجه البخاري وأبو داود واللفظ له.
أخي الكريم، أختي الكريمة، حلت بنا أيامٌ مباركات، من أعظم مواسم التجارة مع الله تعالى ينبغي للعاقل أن يشمر لها، ويسعى في اغتنامها، إنها أيام أقسم الله جل وعلا بها، وفي ذلك دليل على أهميتها وجلالة قدرها. وحث صلى الله عليه وسلم على العمل الصالح فيها، وبين أنه أفضل العمل إطلاقا وأحبُّه إلى الله تعالى. ففي هذه العشر شرف الزمان بالنسبة لأهل الأمصار، وشرف الزمان والمكان بالنسبة لحجاج بيت الله الحرام، وفيها: يوم عرفة ويوم النحر، قال ابن رجب رحمه الله :” اعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب منها المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم، ولذلك تضاعف الصلاة في مسجدي مكة والمدينة …… ومنها شرف الزمان كشهر رمضان وعشر ذي الحجة”. وسُئل شيخُ الإسلام ابنُ تيمية – رحمه الله – عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، أيُهُما أفضلُ؟. فأجاب: ” أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر في رمضان، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة”.
وقد كان حرص السلف الصالح على اغتنام هذه العشر والعمل فيها كبيرا. فروي عن سعيدُ بن جبير- رحمه الله أنه كان إذا دخلت العشرُ اجتهدَ اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدر عليه }. ولذلك أقترح عليك أخي برنامجا لاغتنامها يتضمن بعض ما يمكن القيام به من الطاعات:
أولا: إشاعة فضيلتها بين الناس
من وسائل تكثير الحسنات أن تدل غيرك عليها، وتنبهه على عظيم فضلها. وقد شاع بيننا “الدال على الخير كفاعله” وهو شطر من قصة وقعت للنبي عليه السلام. روى الترمذي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُل يَسْتَحمِلُه ، فلم يجدْ عنده ما يتحمَّله ، فدَلَّه على آخرَ فحمَلَهُ ، فأتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال : الدَّال على الخير كفاعله.
ويؤكد ذلك من صحيح السنة النبوية ما رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – : أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعي بن أبي طالب يوم خَيبر: (انْفُذْ على رِسْلِكَ، حتى تنزلَ بساحتِهِم ، ثُمَّ ادْعُهم إِلى الإِسلامِ ، وَأخبِرهم بما يجبُ عليهم مِن حق الله عز وجل فيهم، فواللهِ لأن يهديَ الله بكَ رجلا واحدا خير لكَ من حُمْر النَّعَم ). وقد كان بعض السلف يكبرون في هذه العشر في الأسواق إظهارا لها وتنبيها على فضلها.
ثانيا: اتخاذ الشريك المعين على اغتنامها
ومما يعينك أخي على اغتنام هذه العشر أن تشارط أخا لك على أعمال تتعاونون عليها خلال هذه العشر. فالمؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، ولنا الأسوة في نبي الله موسى عليه السلام الذي سأل ربه فقال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} [طه: 29 – 35]. بإمكانك أخي الفاضل أن تستعين بوسائل الاتصال الحديثة فتُنبه غيرك على فضيلة العمل الصالح فيها ويذكر بعضكم بعضا بها.
واعلم رعاك الله أن أولى الناس بإشراكهم في هذا الخير، والتعاون معهم عليه هم الأهل والأبناء والأقارب. قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]. وروى أبو داوود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (رحِمَ اللهُ رجلا قامَ من الليلِ فصلَّى ، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ ، فَإِن أَبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا الماءَ ، رَحِمَ اللهُ امرأة قَامَتْ من الليل فصلتْ وأَيقظتْ زوجَها ، فإِنْ أَبَى نضحتْ في وجهه الماءَ )..
ثالثا: الاجتهاد في الفرائض وإحسانها
إن من أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام العشر المحافظة على الواجبات وأدائها على الوجه المطلوب شرعاً، وذلك بإحسانها وإتقانها وإتمامها، ومراعاة سننها وآدابها، وهي أولى ما يشتغل به العبد، قبل الاستكثار من النوافل والسنن، ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة : ( وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه” البخاري . وإن أول فريضة بعد التوحيد هي الصلاة، لذلك وجب عليك أخي أن تعتني بها، ويمكن لك أن تتلزم في هذه العشر بالتبكير إلى الصلوات الخمس في المسجد وتشتغل بالطاعات التالية :
أ- الدعاء ومنه (سؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة)
ب- ذكر الله تعالى ومنه الإكثار من قول (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فهي ثقيلة في الميزان)
ج- قراءة شيء من القران الكريم. والجمع بينهما حسن وممكن .
ومن الفرائض التي أمرنا بتعهدها وتصحيح ما فيها من تقصير بالإضافة الصلوات الخمس والصدقة الواجبة، أن تحرص أخي المسلم على بر الوالدين وصلة الرحم وخاصة في هذه المناسبة العظيمة. روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
رابعا: الاجتهاد في النوافل
بعد إتقان الفرائض والمحافظة على الواجبات ينبغي لك أخي أن تستكثر من النوافل والمستحبات، وتغتنم شرف الزمان، فتزيد مما كنت تعمله في غير العشر، مما لم يتيسر لك عمله في غيرها. وتذكر قول الله عز وجل في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ،وإن سألَني أعْطَيتُه، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه) البخاري. فاحرص على عمارة وقتك بطاعة الله تعالى كصلاة النوافل، و قراءة القرآن، والدعاء والصدقة، وصلة للأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى الناس، وأداء الحقوق، وغير ذلك من طرق الخير وأبوابه التي لا تنحصر .
واجعل لنفسك نصيب من تلاوة القرآن الكريم وتدبره. وبالنسبة لنوافل الصلوات فاجتهد ألا تغفل طوال العشر عن المواظبة قدر الإمكان على ركعتي الضحى، صلاة الوتر، ركعتان بعد الوضوء، النوافل القبلية والبعدية للصلوات الخمس.
أما نوافل الصيام فاجعل لنفسك نصيبا من صيام العشر أو أكثرها لأن الصوم داخل في عموم العمل الصالح، ولأنه ورد فيه أدلة على جهة الخصوص فعن حفصة رضي الله عنها قالت: ( أربع لم يكن يدعهن النبي – صلى الله عليه وسلم -: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة ) رواه أبو داود وغيره.. ويتأكد على غير الحاج صيام يوم عرفة، فقد ثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم أنه حين سئل عن صوم يوم عرفة قال: ( يكفّر السنة الماضية والباقية ) رواه مسلم، ويمكن أن تتعاون مع غيرك على الصيام، وأن تفطر الصائمين في هذه العشر فتضاعف من رصيد حسناتك.
خامسا: تنويع ساعات لعمل صالح
واعلم وفّقك الله أن مما يعين على جمع حسنات هذه العشر أن تُنوع من الطاعات، ولا تكتف بنوع واحد. وتذكر أن عمر رضي الله عنه كان يجتمع له في اليوم الواحد أنواع كثيرة من أسباب دخول الجنة. روى أخمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً قَالَ عُمَرُ أَنَا قَالَ مَنْ عَادَ مِنْكُمْ مَرِيضًا قَالَ عُمَرُ أَنَا قَالَ مَنْ تَصَدَّقَ قَالَ عُمَرُ أَنَا قَالَ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَ عُمَرُ أَنَا قَالَ:” وَجَبَتْ وَجَبَتْ”. ويمكنك أخي الفاضل أن تنظم وقتك فتخصص ساعات أو بعضها للقيام بما يلي:
– وقت للذكر والدعاء والاستغفار وقراءة القران (بعد الصبح مثلا).
– وقت لزيارة صديق قديم وصلة الرحم معه مع تجديد النية. روى مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – : أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال : (إِن رجلا زارَ أخا لَهُ في قريةِ أخرى ، فأرْصَدَ اللهُ لَهُ على مَدْرَجَتِهِ مَلَكا، فلما أَتى عليه قال : أين تُريدُ ؟ قال: أُريدُ أخا لي في هذه القرية ، قال : [هل] لك عليه من نِعْمة تَرُبُّها ؟ قال: لا ، غير أني أحبَبْتُه في الله ، قال : فإني رسولُ الله إِليكَ بأنَّ اللهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَه [فيه]).
– أن تتفق مع بعض أصدقائك على جمع تبرعات لشراء أضحية العيد لبعض الأسر الفقيرة، وتخططوا لإدخال البسمة على بعض الأرامل والأيتام.
– أن تحرص على الكلام الذي ترجو ثوابه عند الله كالتهليل والتحميد والتكبير والتسبيح والاستغفار والكلمة طيبه وقول معروف وإنكار منكر والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
– أن تختار يوما من العشر وتخصصه لزيارة المقبرة وتأمل في أحوال الموتى والسلام عليهم والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة.
وأخيرا أوصيك أخي أن تصحب نية الخير والعمل الصالح طوال هذه العشر، فأنت بخير ما دمت تنوى الخير وكن سببا في فعل الطاعة والإعانة عليها ليحصل لك الأجر كما لو با شرتها. ولا تنس أخي أن تكُف عن الحرام وعن أذى الغير، فإن السيئات يكبر وزرها في هذه العشر كما تضاعف الحسنات. والحمد لله رب العالمين.
الدكتور الحسين الموس