جوانب بلاغية من خلال سورة العصر – عبد الحق لمهى

بداية، يحاول هذا المقال الوقوف عند بعض الظواهر البلاغية من خلال سور القرآن الكريم، وتحديدا من خلال سورة من قصار السور، وهي “سورة العصر”، وذلك لتحقيق جملة من الأهداف، منها: إبراز وجه الترابط بين الدرس البلاغي والنص الشرعي، وكذا تجديد فهم النصوص الشرعية وما يمكن أن تنطوي عليه من المكنونات والأسرار، عبر استثمار البلاغة العربية.
قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ ٱلْإِنسَـٰنَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ ﴿٣﴾ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ ﴾. سورة العصر.
معلوم لدى علماء اللغة العربية عامة، ولدى البلاغيين منهم خاصة، تلك العلاقة الوثيقة بين فهم القرآن الكريم والبلاغة. فالبلاغة لها وظائف متعددة، منها الوظيفة الشرعية؛ إذ بواسطتها يتحقق فهم أعمق لنصوص الشرع.
إذا كان الأمر كذلك، فأين تكمن البلاغة في سورة العصر؟
وفيما ما يلي ذكر لبعض الظواهر البلاغية [1]الوردة في السورة، مع تحليل وبيان لها:
القسم :
افتتحت السورة بقسمٍ من الباري عز وجل: “والعصر”، وهو قسم على مضمونٍ مهم جاء في الآيات التالية.
الخبر الإنكاري :
ورد في قوله تعالى: “إن الإنسان لفي خسر”، وهنا استخدمت أدوات تأكيد “إن” و”اللام” في “لفي”، للدلالة على أن الخبر منكرٌ لدى بعض الناس، فجاء التوكيد لتعزيز حقيقة هذا الخسران.
الجمل الفعلية والإسناد : ظهرت أفعال ماضية مثل “آمنوا”، “عملوا”، و”تواصوا”، وكلها جمل فعلية مسندة إلى واو الجماعة، ما يؤكد البناء البلاغي القائم على الإسناد بين الفعل والفاعل.
التكرار :
جاء في لفظ “تواصوا” الذي تكرر مرتين في السورة، وهو أسلوب بلاغي له دلالات؛ إذ يفيد التوكيد والترسيخ لدى السامع، على خلاف ما يظنه البعض من أنه مجرد إطناب لا معنى له.
تنوع الأساليب :
لم تقتصر السورة على نمط بلاغي واحد، بل جمعت بين القسم، والخبر، والجمل الفعلية، والتكرار، وهو تنوع يوظف للتأكيد على مضمون واحد: أن الإنسان في خسر إلا من توفرت فيه صفات الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر.
يعلمنا القرآن الكريم من خلال هذه السورة الكريمة، أن الاقناع بالحقيقة الواحدة والمعنى الواحد، والذي هو في السورة أن الخسران مصير هؤلاء الذين لا يؤمنون ولا يعملون الصالحات …، كما لو أن القرآن الكريم يريد أن يوجهنا إلى أهمية تعدد الأساليب والصور البلاغية عندما نريد إلقاء رسالة حول ما حقيقة ما إلى المتلقي.
كما أن السورة قصيرة من حيث كلماتها، متنوعة من حيث الأساليب والصور البلاغية المستعملة فيها.
**
[1] ـ لتفصيل الكلام حول تلك الظواهر اللغوية التي ستفصل في المقال، يمكن الرجوع إلى كتب البلاغة، منها على سبيل المثال كتاب: كيف تتقن البلاغة، لأحمد إسكندر.