توديع شعبان واستقبال رمضان

الحمد لله قال و هو أصدق القائلين : “سَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)  وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ   (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) “ آل عمران.

و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد القائل:” إن الصدقة لتطفئ غضب الرب و تدفع ميتة السوء”أخرجه الترمذي و قال:حديث حسن

و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال عز من قائل : ” وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمُ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمُ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمُ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” (الأعراف 179)

ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله، و مصطفاه من خلقه و خليله الذي  أنزل الله تعالى عليه: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفـُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) “ الزُّمَر. فصلى الله عليه و سلم من نبي أميـن، ناصح حليـم و على آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .

أما بعد، من يطع الله ورسوله فقد رشد واهتدى، وسلك  منهاجا قويما وسبيلا رشدا ومن يعص الله ورسوله فقد غوى واعتدى، وحاد عن الطريق المشروع ولا يضر إلا نفسه ولا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه ويطيع رسوله ، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له،

عباد الله:  إن خير ما أوصي به نفسي وإياكم أن اتقوا الله، فتلك وصية الله للأولين والآخرين التي أوصى بها أصفياءه من الأنبيـــاء والمرسلين، فضلا عمن دونهم من مطلق المومنين والناس أجمعين، فعليكم عباد الله بتقوى الله في السر والعلن، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا  فتندموا حيث لا ينفع الندم. وعجلوا بالإنابة إلى ربكم وبالتوبة إليه توبة نصوحا، فالتوبة المقبولة هي التي تكون عن قريب ، قال تعالى: “إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) “ النساء، و كفاكم  ـ عباد الله ـ استرسالا في وديان الغفلة عن الله وعن يوم لقائه، فكم شهدت سنتكم هذه عموما و شهركم هذا خصوصا من جرأة على الله تعالى بارتكاب الفجور و تعاطي المنكرات، و الجري وراء الملذات و الشهوات دون تفكير أو مبالاة بما يقع الناس فيه من انتهاك للحرمات، و تضييع للواجبات، و تبذير الأموال في الزائد عن الحاجة من المقتنيات،و إسراف في المأكولات والمشروبات، و تهالك على اقتناء المشتريات، وتوريط الأنفس في الديون و الاقتراض بالفوائد الربوية دون ضرورة ملجئة أو حصول فادح المضرات، و هجران أماكن العبادة والطاعات، وتقاعس عن أداء الصلوات في أوقاتها خصوصا صلاة الفجر حيث هجر القرآن والذكر  والحزب الراتب إلا من قلة من الموفقين، بينما غصت أماكن اللهو وازدحمت بهم إلى درجة الاختناق، فالله ،الله، عباد الله! كفاكم لهوا ولعبا، وكفاكم من الغفلات، وعودوا إلى ربكم وتوبوا إليه واستغفروه فهذا شعبان الشهر الفاضل الذي أضافه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسه، واختاره من  بين الشهور ونبه على مزيته و شرفه،  وأخبر بأن الناس عن فضله غافلون، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، نعم ها هو شعبان انتصب مودعا ولم يبق منه إلا بضعة أيام – فياأيها الإخوة المؤمنون – من منكم يا ترى عرف حقــه وفضله؟ وراعى حرمته وقدره؟ ومن منكم خالف سيرة الغافلين وابتعد عن أفعال المتجرئين على معصية رب العالمين؟ ومن منكم هجر أجواء اللهو والمجون وترك مخالطة المتجردين من الحياء من السفهاء والمستهترين ؟ فالله الله عباد الله، اتقوا الله واختتموا شهركم هذا بصالح الأعمال فإن الحسنات يذهبن السيئات.

عباد الله إياكم ومعيقات التوبة، فإن الله فتح باب التوبة لعباده المسرفين على أنفسهم، فإياكم والقنوط من رحمته،  فإنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، واعلموا هداكم الله ووفقكم، أن التوبة تحتاج إلى دعائمَ لتثبيتها وتكفير ما اقتُرِف قبلها، قد ذكرها الله في القرآن الكريم إذ قال: “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ( 68 ) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ( 69 ) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ( 70 )”، الفرقان .

فدعموا عباد الله توبتكم بصالح الأعمال، و اعلموا أن الله عظيم الإحسان يحب من عباده المحسنين، و عظيم الكرم يحب الكرمـاء و عظيم الرحمة يحب الرحماء، ولاشك أن الكثير من إخواننا فقراء ومحتاجون أو مدينون أو مفلسون، أو عاجزون عن الكسب أو عاطلون، ونحن مقبلون على موسم رمضان، وهو يتطلب قدرا ضروريا من المال، الكثير الكثير من الأسر في مجتمعنا تعاني من الحاجة إليه، فيا من يريد الله و الدار الآخرة، ويا من يريد تكفير خطاياه و سيئاته، ويا من يريد المزيد لحسناته، والرفعة عند الله لدرجاته، ويا من يريد إدخال الفرح على رسول الله صلى الله عليه  و سلم بعرض الأعمال الصالحة عليه، خصوصا التي فيها نفع للمحتاجين من أمته، نقول لهؤلاء: هذا موسم الفضل والمتاجرة مع الله، فهُبوا معاشر المحسنين وأحسنوا إلى إخوانكم، يا من أفاض الله عليهم الخير، ووسع الله عليهم في الرزق، وجعلهم مستخلفين في الكثير من خيرات الدنيا: أحسنوا كما أحسن الله إليكم، وأخرجوا زكوات أموالكم، فهذا الوقت من أفضل أوقات إخراجها، إن كان الحول قد حال على أموالكم، وإلا فأكثروا من صدقات التطوع، فإن تفريج الهم عن المهمومين و تنفيس الكرب  عن المكروبين  و قضاء حاجات المحتاجين و تسديد دين المدينين، أعمال  تطفئ غضب رب العالمين، و ترد البلاء و تنفع فيما  نزل منه وما لم ينزل،و أنتم معشر الفقراء و المحتاجين:  استنزلوا الرزق من عند ربكم بالاستغفار والإكثار من الدعاء، وتعليق الحوائج  به دون سواه، فهو المعطي و المانع، و الخافض والرافع، والقابض والباسط ، فلا تُذهِبُوا كرامتكم وماء وجوهكم بـُذلِّ السؤال من الناس، فمن استغنى بالله أغناه الله، وأنتم معشر الأبناء صلوا أرحامكم  وبروا آباءكم و أمهاتكم يوسع الله عليكم أبواب الرزق، و يرفع عنكم الموانــــع و أسباب المقت المنتشرة في هذا الوقت، وأنتم معشر الأزواج والزوجات أصلحوا ذات بينكم و جددوا ما بينكم من حبال المودة والرحمة، رمموا الثلمات وارأبوا التصدعات، وتفادوا أسباب الشقاق وأرضوا الله بالصلح والوئام، وأخزوا الشيطان الذي يحب توالد العداوة والخصام. وأنتم معاشر الجيران اذكروا وصية رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام بالجار فأحسنوا إلى جيرانكم وأشيعوا بينكم السلام.

نفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم وكلام سيدنا محمد الصادق الأمين عليه من الله أفضل الصلاة و أزكى التسليم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله على نواله وإفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، وعلى آله، وعلى جميع من تعلق بأذياله، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

أيها المؤمنون اعلموا أن يد الله مع الجماعة والخير باق في هذه الأمة إلى يوم القيامة، وأن الطائفة من أهل الفضل لن تنقطع أبدا، فهذه  مناسبة لندعوكم مرة أخرى لتتعاونوا و تتآزروا واذكروا قول الله تعالى إذ يقـول: ” وتعاونوا على البر والتقوى ” وقوله سبحانه:” و افعلوا الخير لعلكم تفلحون” وقوله عز وجل ” ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم” و قوله: إن الله  لا يضيع أجر المحسنين” .

واستعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم  صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها أعلى الدرجات ، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك، القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه وارتضاه واستنه خصوصا الخلفاء الأربعة، والعشرة المبشرين بالجنة، والأنصار منهم والمهاجرين، وعن آل بيت نبيـك الطيبيـن الطــــاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، وانظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، ولا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم،(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنــا و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمـان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا،ربنا إنك رؤوف رحيم) (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

ذ. سعيد منقار بنيس

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى