تقرير رسمي: العنف ظاهرة “معقدة” بالمؤسسات التعليمية
خلص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى أن ظاهرة العنف تظل قائمة في المؤسسات العمومية وتطورت وصارت أكثر تعقيدا، على الرغم من الجهود المبذولة على صعيد الإجراءات التنظيمية والمؤسساتية.
وأصدر المجلس تقريرا موضوعاتيا حول العنف في الوسط المدرسي بالمغرب بشراكة مع منظمة اليونيسيف، ركز على قياس مدى انتشار هذه الظاهرة وتحديد أشكالها وتجلياتها المختلفة وكذا الفاعلين المعنيين بها.
ولا تستهدف الدراسة مستخدمي العنف فقط بل أيضا ضحاياه من تلامذة وأطر تربوية، بحيث يرمي هذا التحليل إلى فهم العنف المدرسي بشكل أفضل واتخاذ التدابير اللازمة للتعامل معه.
ويعتمد التقييم على تصريحات التلامذة كمنطلق لكونهم أول الشهود على العنف في المؤسسات التعليمية، ويوفرون كماً مهما من المعلومات القيمة حول طبيعة ومدى انتشار هذه الظاهرة، ويتم تحليل هذه التصريحات باستخدام أدوات منهجية مناسبة من أجل استخلاص استنتاجات موثوقة وتمثيلية.
العقاب البدني
وأكدت الدراسة أنه رغم حظر العنف ضد التلامذة رسميا سنة 1999 من خلال مذكرة إلى الأطر التربوية تدعو إلى تجنب استخدام أي شكل من أشكال العنف الجسدي أو النفسي ضد التلامذة بشكل مطلق، فقد استمر أعضاء هيئة التدريس والأطر الإدارية في اللجوء إلى العنف البدني.
وأفادت الدراسة أنه بعد صدور هذه المذكرة أكد 73% مـن الأساتذة أنهم يلجؤون إلى العقاب البدني، فيما صرح 54% منهم بأنهم يصربون التلاميذ بالمسطرة أو العصا أو الأنبوب، بينما صرح 29% منهم أنهــم يضربون التلاميذ بأيديهم أو يركلونهم بأقدامهم.
ومـن جهة التلاميذ الذين شملهم الاستطلاع، صرح 87% منهـم أنهم تعرضوا للضرب، وأفاد 60% منهم أنهم تعرضوا للضرب بالمسطرات أو العصي أو الأنابيب المطاطية.
وعادت الوزارة الوصية- حسب الدراسة- للتذكير بالعودة إلى النظام، فجددت حظر العنف الجسدي ضد التلاميذ من خلال مذكرات سنوية متتالية، مؤكدة عدم جدوى فرض الانضباط بواسطة العقاب البدني، وضرورة تفادي التداعيات النفسـية للعنـف عـى التلاميذ.
نتائج عكسية
كما لاحظت الدراسة أن الإجـراءات التأديبيــة التــي تتخذهـا مجالـس الأقسـام في حـق التلامـذة تتـراوح بـين الإنـذار والتوبيــخ والطــرد المؤقــت أو النهــائي، وذلــك تبعــا لخطـورة الأفعـال المنسـوبة إليهـم. وكمـا جـاء في المذكـرة الوزاريـة رقـم 14/876 المؤرخـة بـ17 أكتوبـر 2014 فقـد أصبـح الطـرد هـو العقوبـة الأكثـر اعتـيادا مـن قبـل مجالـس الأقسـام في بعـض حـالات العنـف.
وأظهـرت الممارسـة أن هـذا النـوع مـن العقوبـات يـؤدي إلى نتائـج عكسـية، لأنهـا تحـرم التلميــذ مــن العديــد مــن الحصص الدراســية، وتزيــد مــن اتسـاع الهـوة بـين التلميـذ والمدرسـة، ومـن مخاطـر التـسرب المدرسي، لا سيما إذا كانـت مـدة الطـرد طويلـة.
واعتمدت الوزارة في هذا الصدد عقوبات بديلة تهدف إلى إلزام التلميذ المعني بتقديم خدمة عمومية داخل المؤسسة التي ينتمي إليها خارج أوقات الدراسة هدفها غرس الشعور بالمسؤولية من خلال تكليفهم بإنجاز مهام مفيدة كتنظيف فضاءات وساحات المدرسة أو القيم بأعمال البستنة أو ترتيب الكتب في رفوف الخزانة أو المساعدة في المطعم وغير ذلك.
واعتبرت الدراسة أن من بين المشاكل التي يطرحها توصيف العنف في الوسط المدرسي عبر القنوات الرسمية هي التركيز على الإيذاء الصادر عن بعض الفاعلين على حساب فاعلين آخرين، من قبيل كثيرا ما يتم التبليغ عن عنف تلامذة الإعدادي والثانوي التأهيلي وشجبه من قبل وسائل الإعلام أو المسؤولين الرسميين، في المقابل نادرا ما يتم التبليغ عن العنف الذي يمارسه الأساتذة ضد تلامذتهم، مما يثير مسألة السلطة حيث تكون كلمة التلميذ في وضعية أضعف من كلمة الأستاذ.
السخرية والشتائم
كما نبهت الدراسة إلى أن المعطيات الموثوقة حول مدى العنف وطبيعته محدودة للغاية ولا يوجد حتى الآن سوى معلومات قليلة حول الممارسات الجيدة للوقاية من هذه الظاهرة أو محاربتها وهذا ما يبرر تقييم العنف في الوسط المدرسي بعد بضع سنوات من نشر الرؤية الاستراتيجية وصدور الإجراءات التنظيمية التي اتخذتها السلطات العمومية لتحديد مدى انتشار العنف ومظاهره في الواقع الميداني، وفي اتصال مع الفاعلين.
كما ذهبت الدراسة إلى أن حالات الإيذاء التي أبلغ عنها التلامذة متعددة مثل السخرية والشتائم تتكرر بشكل كبير إلى درجة أنها صارت تعتبر عادية ومألوفة يوميا في المؤسسات التعليمية، وذلك كيفما كان السلك والوسط ونوع التعليم الذي تنتمي إليه تلك المؤسسات.
التحرش الجنسي
وكشف البحث الميداني أن التحرش واسـع الانتشـار في المؤسسـات المدرسـية. وأظهـــرت نتائـــج البحـــث أن 15.2% مـــن تلامذة الابتـدائي و29.7% مـن تلامذة الثانـوي أفـادوا أنهـــم تعرضـــوا للتحـــرش في مدارسـهم، ضمنهم 34%من الابتدائي و25.4% مـن الثانوي أكـدوا أن التحـرش كان ذا طابــع جنـسـي.
كـما يعـد التلاميذ المنتمـون للمؤسسـات الخاصـة والمتواجدة في الوسـط الحضـري الأكثر احتـمالا للتبليـغ عـن هـذه الأعمـال مقارنـة مـع زملائهـم في المؤسسـات العموميـة وتلـك المتواجـدة في الوسـط القروي. وأظهـرت نتائـج البحـث كذلـك أن 21.2%مـن تلامـذة الابتـدائي و38.9% مـن تلامـذة التعليـم الثانـوي صرحـوا أنهـم يعرفـون بعـض ضحايـا التحـرش الجنسـي. ويعنـي هـذا النـوع مـن العنـف الذكـور والإنـاث عـلى حـد سـواء.
عنف سيبراني
كما حذرت الدراسة أيضا من وجود عنف سيبراني أصبح الآن واضحا بين التلامذة، من خصوصياته أنه يحدث خارج المؤسسات التعليمية، وتتحدد وتيرة تكراره من خلال مدى توافر الموارد الرقمية التي تتغير وفقا لعمر التلامذة، ووسطهم، ونوع المؤسسات التعليمية التي يدرسون فيها.
وأظهرت الدراسة أن التلامذة في جميع الأسلاك التعليمية يشعرون بانعدام الأمن في الأماكن الأكثر تدهورا، والأقل حراسة داخل المدرسة (المراحيض)، وفي محيطها، وفي الطريق المؤدية إليها. والعنف موجود بقوة بالمدرسة خاصة بين التلاميذ الذكور، فكلما تقدم التلميذ في دراساته، تدهورت نظرته إلى المناخ المدرسي خاصة بالنسبة لتلامذة الثانوي التأهيلي.
ودعت الدراسة إلى سن سياسة معلنة وحازمة لمناهضة العنف، ونسج تربية آمنة وذات جودة، وتعزيز فعالية الجهاز المؤسساتي، ووضع معطيات موثوق بها ومؤشرات قابلة للقياس فيها يخص العنف المدرسي، ووضع تدابير ضد العقوبة البدنية داخل الوسط المدرسي، والقيام بإجراءات صارمة ضد التحرش الجنسي، ووضع مقاربة شاملة للوقاية من العنف السيبراني بالوسط المدرسي، ومدونة سلوك ضد العنف ووسط مدرسي آمن ومؤمّن.
موقع الإصلاح