ترشيد التدين عند حركة التوحيد والإصلاح.. الفكرة والمسار
يؤكد ميثاق الحركة، الذي يعتبر دستورها وأهم أوراقها المرجعية، على أن “أجمع لفظ يعبر عن أهدافها هو إقامة الدين“، فهو المقصد الجامع المُجَمِّع لأهم غاياتها، والفكرة الأساسية الملهمة لقيمها المرجعية، ولنظمها الحاكمة.. كما أن أدبياتها تؤكد في تعريفها للحركة، أنها “عمل إسلامي تجديدي لإقامة الدين وإصلاح المجتمع“، وذلك “بتجديد فهم الدين والعمل به على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة.”
ولعل تضمين الحركة لهذا المقصد جاء منسجما مع رؤيتها الإصلاحية، القائمة على المرجعية الإسلامية التي يحتل الدين فيها مركزاً محوريا بل مهيمنا.. فكان لمركزية الدين في هذه الرؤية، تأثيره الواضح في طبيعة المشروع المجتمعي الذي تدعو إليه وتبشر به.
فخرجت – بتوجيه من هذا المقصد- اختيارات الحركة وتوجهاتها، قضاياها ومبادراتها.. من ضيق التنظيم إلى سعة المشروع، ومن ضغط مفهوم الدولة وإشكالاته، إلى طمأنينة مفهوم الأمة وآفاقه، ومن محدودية التنظيم وقساوته، إلى أصالة الرسالة ورحابتها.
لقد كان لهذا الهدف الأسمى “إقامة الدين” مفعول خاص، سواء على مستوى رؤى الحركة وتصوراتها وتحديد أولوياتها. أو على مستوى توجيه وسائلها ومخططاتها وأطرها، بما يجعل الأهداف والوظائف والأطر العاملة في تكامل وانسجام، وبما يساعد على بناء هوية خاصة ومستقلة للحركة، سواء عن الأشخاص – قيادات ورموز- أو المنظمات المهيمنة في المحيط المحلي والدولي.
فرسالة الحركة من خلال هذا المقصد، تتلخص في تجديد معاني الدين في الناس. بتصحيح تصوراتهم الخاطئة وإحياء الأفكار الدينية البانية الغائبة أو المُغَيَّبة، وتجويد سلوك الأفراد سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، والإرتقاء به في مدارج التحسين والتزيين، بالتزكية والتكوين، وبالموعظة والتلقين.
وتلك هي أطروحة الحركة لترشيد التدين، مساهمة منها في تعزيز سمو المرجعية الإسلامية المؤطرة لفعلها الإصلاحي وتدافعها القيمي، الذي اعتبرته “خدمة مجتمعية” تبتغي بها تحقيق الرشد في التدين. فجندت له تخصصاتها المتعددة وفضاءاتها المتنوعة، مع تأكيدها على تعاونها اللامحدود مع مختلف الجهات الفاعلة والمؤسسات المتدخلة في الشأن الديني والمجتمعي.. لإنجاح مهمة ترشيد التدين وتعميقه، واستثمار التوسع والانتشار الذي تعرفه حركة التدين في المجتمع، والارتقاء بهذه الحالة الإيجابية إلى مستوى “الوقاية المجتمعية”، والدفع بحركيتها نحو خدمة المشروع الإصلاحي الشامل.
عبد الهادي بابا خويا