تدبّرات في “جاء نصر الله” – أسامة الأشقر
هناك “نصر الناس” ونستخدم لقياسه واعتباره المعاييرَ المادية، وهناك “نصر الله” الذي نرى ظواهره وتجلياته في حياة الناس.
النّصر في أصل معناه ليس الغلبة على العدوّ، بل هو العون الحقيقيّ والإغاثة والنجدة، ويكون في هذا العون غلبة تَعْقبه إن شاء الله.
وقد علِمنا أن عظم هذا النصر لكونه من الله، فهو الذي قدّر أسبابه، ووفق عبادَه إليه، وخرَق به العادة، إذ لم يكن مسارُ النصر على نمط متعارَف عليه مما جرت به العادة الحربيّة في الحوادث المماثلة.
ونصر الله مقرون بنصرك له: “إن تنصروا الله ينصركم” فاعلم كيف تنصره ليبْلغك نصره.
والفتح في أصل معناه أن ينفتح لك المُغلَق، فتدخل عليهم هذا البابَ المنغلق باقتحام الثغور والمَحارس، إذ إنّ تحكّمك في المداخل والمنافذ والمخارج وانفتاحها لك وعليك يعني مقدمات الفتح الغالب.
وإذا أخبر الله تعالى عن نصره لعباده فإن نصره متحقق بمجرّد الوعد به، فكيف وهو الكريم الناصر!
ومن الظواهر المتصلة بنصر الله أن تجد معه فتحاً لأمر أو محلٍّ كبير مغلَق، وأن تجد الناس في الأقطار البعيدة التي لم تنعَم بالإيمان، وتجد عامّة المسلمين الذين فارقهم التديّن تنفتح أبصارهم نحو هذا النصر الملفت المثير الذي يدعوها للإيمان بالله بالظهور العجيب والسُّمعة السائرة فيدخلون في طاعته ويدينون بدين الله.
ودخولهم في الدين أفواجاً يعني أيضاً أن أدوات النصر في أيديهم سيجعلونها في أيديكم، إذ إنهم في أول أمرهم يكونون في ذروة انفعالهم ولين قلوبهم وطواعية طباعهم، وسترى نصرهم ودعمهم رؤية يقينية وعينيّة “ورأيت الناس”، وسترى كل الناس الذين في بالك وغير بالك يجيئون أفواجاً وراء أفواج.
فإذا كتب الله لك رؤية هذا المشهد المبهِج العجيب الحميد فاحمد الله، وسبّح بهذا الحمد الذي رأيتَ آثاره، واطلبوا الغفران من الله على احتمال تقصيركم في الإعداد والسعي لمثل هذا الموضع.
فأكثِروا من التسبيح بالحمد والاستغفار من التقصير وأنتم في غمرة ذلك السعي تفاؤلاً بمجيء هذا النصر الموعود الذي ترون علاماته …
“إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان تواباً”.