تأملات في آية – عبد الحق لمهى

قال جل شأنه: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾. [الحج: 41]
تحمل الآية الكريمة معنى يدور حول صفات المؤمنين الذين يستحقون النصر والتمكين في الأرض.
ذكرت الآية مجموع تلك الصفات، وهي: إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، الأمر بالمعروف ثم النهي عن المنكر. وقد وردت هذه الصفات على ترتيب معين مقصود.
لقد عبرت الآية عن حقيقة هامة وهي أن النصر والتمكين لا يكونان إلا لمن اتصف بأداء أمرين كبيرين:
أولهما: العبادات سواء كانت بدنية (الصلاة) أو مالية (الزكاة).
وثانيهما: الدعوة إلى الله تعالى؛ وهو ما عبرت عنه الآية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن في الآية ذكرا لعدد من الأوامر، وفق ترتيب معين بدأ بالعبادات وثنى بالدعوة إلى الله تعالى. والذي يدل على هذا الترتيب وجود حرف الواو في الآية، حيث إن هناك من العلماء من يرى أن هذا الحرف يفيد معاني منها: العطف والترتيب.
مما لا شك فيه أن هذا الترتيب المذكور في الآية ليس عبثا، كما أن كل ترتيب آيات الكتاب العزيز، يحمل في طياته أسرارا وحكما مقصودة منه.
تأسيسا على ما سبق يمكن استخلاص مجموعة من القواعد الموجهة لسلوك الفرد والجماعة، في كل زمان ومكان، ذلك أن هذا الوحي إنما هو خطاب الله للعالمين. ومن تلك الفوائد:
ـ أن التمكين في الأرض لا يتحقق للعباد أفرادا وجماعات، إلا إذا اتصف الجميع بما ذكرت الآية الكريمة من جميل الأوصاف.
ـ أن البدء في الآية بالحديث عن العبادات أولا وبعدها الدعوة إلى الله، يمكن أن يفهم منه أنه لا تمكين من الله لعباده حقيقة، إلا بأداء العبادات بمختلف أنواعها أولا، ثم القيام بواجب الدعوة إلى الله ثانيا، فمتى حصل من المؤمنين أفرادا وجماعة تلك الأعمال الصالحة كانت لهم بلا ريب منحة ربانية وهي التمكين والنصر من الله.
ـ تأسيسا على الفائدة الثانية المذكورة قبل، فإن المؤمن الحق لا يكون داعية إلى الله بحق وصدق إلا إذا كان قائما بواجب العبادات مادية أو بدنية، كما نصت على ذلك الآية، ومنه فإن نجاح كل دعوة إسلامية إصلاحية صادقة، يكون بالتركيز على تعظيم أمر العبادات والقيام بها، وهذا ملحظ هام يحسن لكل العاملين في مجال الدعوة إلى الله الانتباه إلى حقيقته، والعض عليه بالنواجذ. كما أن الأمة لا يمكن لها توسيع قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما لم يكن فيها تعظيم للعبادات.
ـ كل ضعف في حياة الأمة أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، إلا وهو محمول على حقيقة واضحة في الآية، وهي ترك العبادات جميعها، ومتى أرادت الأمة تحقيق واجب الدعوة على أوسع نطاق، فليس لها من طريق سوى الانتباه إلى واقع المسلمين في علاقتهم بالعبادات.
ـ إن لسان حال الآية الكريمة، يقول لكل مسلم على وجه الأرض إن الطريق القرآني الصحيح لتحصيل التمكين في الأرض، يكمن في القيام بالعبادات أولا ثم الالتزام بواجب الدعوة إلى الله.
ـ إن الآية الكريم تختصر لكل عاقل يروم الظفر بالنصر والتمكين من الله له في هذه الأرض، بحيث وضعت له الآية السبيل إلى تحقيق مبتغاه، وان ذلك لا يكون إلا بالتمسك بالعبادات والدعوة إلى الله تعالى.
ـ إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدخل جميع مجالات الحياة: الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية… ومنه يقال إن تلك المجالات لا سبيل صحيح أولا لتحقيق التنمية فيها، إلا بأخذ العبادات حظا وافرا ضمن برامج تلك المجالات، يبدأ بالتزام المسلم المشتغل في كل مجال منها. هذا وإن صحابة رسول الله عليهم السلام وهم القدوة للناس بعد النبي عليه الصلاة والسلام، وهم الذين حملوا هم الدعوة إلى الله، لم تكن حياتهم خالية في كل لحظاتها عن أداء العبادات والقيام بها حق القيام، وعندما ينظر المسلم إلى فريضة الصلاة وكيف أن الإسلام لم يسقطها ولم يهملها، تحت أي ظرف من الظروف شديدا كان أم غير ذلك، فمعناه أن كل معارك الحياة الإنسانية عند المسلم المعاصر لا يمكن أن تتم إلا ومعها واجب أول وهو القيام بالعبادات بأنواعها المختلفة.
خلاصة القول، إن قراءة وتدبر القرآن الكريم سبيل قويم لإصلاح النفس والمجتمع، وهذه حقيقة معروفة فكتاب الله هو الهدى والنور كما دلت على ذلك آيات عديدة، وإنما الذي يحصل هو نسيان هذه الحقيقة مع مرور الزمن، لذا كان لا بد من التذكير، تذكير النفس أولا ثم الغير.
والله الموفق للخير والمعين عليه.