بعد سنة من التنزيل.. مشروع مدارس “الريادة” تحت المجهر
وجاء تفعيل العمل بهذا المشروع حسب بلاغ وزاري في إطار تفعيل رزنامة مشاريع تنزيل خارطة الطريق 2022-2026، من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع، ومن أجل الرفع من مستوى التعلمات الأساس للتلميذات والتلاميذ باستثمار الطرائق والمقاربات البيداغوجية الحديثة.
وبعد مرور عام على انطلاق تنزيل نموذج مؤسسات الريادة، سلط خبراء تربويون في حديث مع موقع “الإصلاح” الضوء على عدد من القضايا التي واكبت تنزيل هذا المشروع خصوصا بعد التعديل الحكومي الأخير، حيث خلف محمد سعد برادة شكيب بنموسى على رأس وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وتم الحديث عن طلب الوزير الجديد تقييما للتجربة وتكلفتها المالية.
نموذج جديد غطى على القانون الإطار ولم يحترم المسار العادي
قال الخبير التربوي الأستاذ محمد سالم بايشى إن الوزارة الوصية تعتبر مشروع “مدارس الريادة” النموذج الجديد للمدرسة المغربية، ويكاد يكون محور تركيز الوزير السابق حين يتحدث عن الإصلاح وأولوياته. وقد اجتهدت الوزارة في تسويقه رسميا وشعبيا ونجحت في ذلك بشكل غير مسبوق مقارنة مع المشاريع السابقة، حتى غطى على الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار.
وأضاف بايشى “تحضيرات المشروع انطلقت قبل سنة 2022 بشكل فجائي، واعتمد خلال الموسم الماضي في 628 مؤسسة ابتدائية بمختلف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لتنضاف إليها 2000 مؤسسة خلال الموسم الحالي، وجند مختلف المتدخلين أساتذة ومفتشين ومديرين لإنجاحه، ورصدت له إمكانيات مادية وتحفيزات جد مهمة، واقترضت في سبيله ديون ومساعدات دولية بهدف توسيع تجريبه في الاعدادي في أفق تعميمه في سلكي الابتدائي والثانوي الإعدادي في السنوات القليلة القادمة”.
من جانبه، أكد الدكتور خالد الصمدي الأكاديمي؛ الخبير في المناهج والبرامج التربوية والدراسية أنه كان ينبغي من الناحية القانونية أن تمر البرامج المعتمدة في مؤسسات الريادة عبر اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج، وأن تمر عبر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ويعرض عليها المشروع وتدرسه وتبدي الرأي بشأنه خاصة على مستوى فرص النجاح والتحديات، والإشكالات المتوقعة حتى لا يكون هناك منظور لقطاع مركزي بغض النظر عن الشركاء الدستوريين.
وأوضح الصمدي أن المشروع لم يعرض على المجلس الأعلى للتربية والتكوين، ولم يعرض على اللجنة الدائمة التي عينت بعدما بدأ الاشتغال على مشروع مدارس الريادة وبالتالي الإطار لم يحترم المسار العادي والطبيعي حتى يتم ضمان نجاح المشروع.
مؤاخذات وملاحظات
ويرى الصمدي أن عملية التقييم دائما تنظر إلى جدوى المشروع والهيئة الدستورية المخول لها القيام بهذا التقييم، ولم تستشر في بداية إطلاق هذا النموذج ولم تنجز له دراسة استباقية تقييمية، والهيئة لم تستشر لحد الساعة حسب المعايير التي تأخذ بعين الاعتبار شمولية المشروع.
الأكاديمي والوزير السابق الدكتور خالد الصمدي
وذهب كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي إلى أن فكرة تعميم المشروع وتوسيعه من 600 إلى 2000 لم تنبن على تقييم حقيقي لمؤسسات مكلفة بذلك؛ على رأسها المؤسسة الدستورية المذكورة والتي أوكل لها القانون هذه المهمة، وبالتالي لم يكن هناك تقييم مؤسساتي للمشروع وعليه نجد تضارب الآراء حول النجاح من عدمه وإذا صدر تقرير حقيقي من مؤسسة دستورية يمكن آنذاك أن يستمر التعميم على أساس موضوعي.
واستحضر الصمدي أن هناك تقييمات دولية لا تركز فقط على مدارس الريادة، وإنما على مستويات المتعلمين في اللغات بالخصوص والتواصل، وهذه التقييمات أثبتت بتقييم الوزارات نفسها على أن مستوى المتعلمين ضعيف جدا على مستوى الكفايات الأساسية للتعلم، وربما تواجد مدارس الريادة جاء من أجل الاستدراك، وهذا الاستدراك ليس بالضرورة يجب أن يأتي عبر مدارس الريادة لأن الفشل الدراسي مر عبر دراسة مسحية على الصعيد الوطني وبالتالي عملية الاستدراك تحتاج إلى آليات أخرى غير آليات مؤسسات الريادة.
ودعا الخبير في مجال التربية والتكوين إلى تقييم مؤسساتي من خلال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يضم خبرات ويمكنه الاستعانة بخبراء وطنيين ودوليين من أجل إنجاز تقييم حقيقي لهذا المشروع للحسم في التوجه نحو مواصلة تعميمه، أو أن هذا النموذج غير صالح ويتناقض مع مبدأ تكافئ الفرص.
من جانبه، سجل الأستاذ محمد سالم بايشى انتقادات من ثلاث زوايا، أولها من حيث السند القانوني للمشروع الذي يحيل إلى أن التقييم من اختصاصات اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج، وبالتالي لم يتم أخذ رأيها في الموضوع، والأمر ذاته يتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ما دمنا أمام نموذج جديد للمدرسة المغربية، مؤكدا على أن هذا المشروع ينبغي أن يكون تشاوريا ترتضيه مختلف الأطراف المتدخلة في الحقل التربوي .
الخبير التربوي الأستاذ محمد سالم بايشى
ومن حيث مدى استقلالية القرار، يتساءل بايشى من منظور الاختيارات الكبرى أو لنقل الفلسفة التربوية للبلد، هل نحن فعلا أمام اختيار وطني نابع من الخبرة الوطنية في بلد غني بمؤسسات التكوين التربوي الجامعية والمهنية؟ لكون الركيزة الأساسية للنموذج هي برنامج التدريس وفق المستوى المناسب Tarl المطبق في مناطق الهشاشة بالهند من قبل جمعية باتام، والوارد في توصيات البنك الدولي لمجموعة من الدول منها المغرب.
أما من زاوية المنظور البيداغوجي، فيشير أنه من المعروف أن الانطلاق كان من طارل، بعد ذلك أضيفت خيارات أخرى كالتعليم الصريح وما سمي بمقاربة التدريس بالتخصص، فضلا عن التدريس الفعال المتواجد أصلا في وثائق ومناهج الوزارة المتعثر في الممارسة المهنية الميدانية .
وتساءل بايشى “إلى أي حد يتماشى التعليم الصريح مع البرامج التي انتهت الوزارة من تعديلها في الابتدائي قبل انطلاق المدرسة الرائدة بسنة أو سنتين، والتي تنطلق من الخلفية البنائية بالأساس. وهل يعني ذلك أننا سنعيد إنتاج البرامج من جديد وننقض ما تم بناؤه بغض النظر عن موقفنا منه؟ أم سنتعامل مع وصفة غير متجانسة المكونات؟ والتدريس بالتخصص هل نستطيع تعميمه مع البنيات الحالية للتعليم العمومي؟ من جهة، وإلى أي حد يتناسب مع تكوين أطر وزارة التربية الوطنية بالابتدائي أساتذة ومفتشين، حيث تم منذ مدة تبني خيار الإطار الواحد الذي يجمع التخصصات. الأستاذ المزدوج، المفتش المزدوج. فالتردد بين الخيارات كل مرة دليل على أننا لا نمتلك رؤية نسقية في الموضوع”.
مضامين مخلة بالحياء تدق ناقوس الإنذار
اعتبر الأستاذ بايشى أن الجدل حول مضامين مخلة في مؤسسات الريادة، بدأ مع تكوين أساتذة منشطين في السينما، والذي يدخل ضمن أنشطة ستبرمج لمؤسسات الريادة في التعليم الإعدادي بشراكة بين الوزارة ومؤسسة “علي زاوا” التي أسسها المخرج نبيل عيوش؛ وهو فعلا صاحبته انتقادات من قبل الممارسين تتمثل في اعتماد أفلام مثل “البحث عن زوج امراتي”، و”كيد النسا” وهي أعمال لا تناسب الجمهور المدرسي لتضمنها بعض المشاهد أو العبارات، التي تم انتقادها.
وتابع المفتش التربوي السابق في هذا الصدد “في تقديري فالأمر أكبر من هذا إذ نحن أمام برنامج ولو كان موازيا فهل تم استشارة جهات الحكامة التربوية فيه، بدءا بمجالس المؤسسات، إلى اللجنة الدائمة، إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين. وهل خضع للمنافسة، فإن كانت هناك حاجة لبرامج من المهم فتح باب المنافسة كما هو الشأن في الكتاب المدرسي، وإلا فتصريف الأمر على أنه شراكة تعطي الامتياز لجمعية معينة فهذه مشكلة”.
من ناحيته، يؤكد الدكتور خالد الصمدي أن ما أثير حول وجود مضامين مخلة في مقررات دراسية وأنشطة موازية، جعل مجموعة من الأساتذة يرفضون الانخراط في هذا المشروع كما رفض عدد من آباء وأولياء التلاميذ مضامين نموذج الريادة واعتبروا أبناءهم فئران تجارب.
ونبه رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية إلى أن ذلك يعبر عن مرحلة استباقية، خصوصا وأن بعض المضامين المخلة لا تلائم المقررات وبعض الكتب المدرسية، وهذا يدق ناقوس الخطر لأخذ الاحتياطات اللازمة حتى لا يكون هناك رد فعل لبعض الآباء أو الأساتذة أو التلاميذ أنفسهم، لأننا في سياق لا يحتمل مزيدا من التوتر و”صب الزيت على النار” كما يقال في المؤسسات التعليمية فلذلك لا بد من الاحتياط على هذا المستوى.
واستحضر الصمدي تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين بعنوان “التربية على القيم في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي” معتبرا إياه وثيقة رائعة وجيدة وممتازة حددت محددات أساسية وضرورية لكيفية إدماج القيم في المنظومات التربوية في مختلف المجالات، واعتبر هذا التقرير هو المرجع الأساسي في إدماج القيم في المنظومات التربوية، داعيا من اشتغلوا على هذه العدة التكوينية للأنشطة الموازية أن يطلعوا جيدا على هذه الوثيقة المرجعية.
تقويم التقييم وضمان شروط الاستمرارية
يتوقع الدكتور الصمدي أن يتجه الوزير بحكم خلفيته البراغماتية باعتباره في الأصل رجل أعمال؛ أن يطلب التقويم من المصالح المركزية للوزارة ثم سيطلبه من المجلس الأعلى للتربية والتكوين، ثم من المفترض أن مشروع مثل هذا لا بد أن تدخل الجهات المكلفة بتتبع صرف تمويلات البرامج مثل المجلس الأعلى للحسابات على سبيل المثال حتى يعطونا صورة أمينة لجدوى هذا المشروع.
وأبدى الصمدي تخوفه من أن تصرف موارد مالية كبيرة جدا في هذا النموذج وفي نهاية المطاف نعود إلى نقطة الصفر، ونقول أن دراسة الجدوى التي لم تكن في البداية بالشكل الكافي لم تعطنا النتائج المنتظرة.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن الإشكال الحقيقي في الإصلاحات في وطننا ليس فقط في التعليم ، لكن في أن يبدأ المشروع بحماس شديد ويتبناه مسؤول حكومي ويدفع به في أسرع وقت ممكن، ويتبين بعد ذلك حينما يتدخل شركاء آخرون مثل وزارة المالية التي قد تتحفظ على تنزيل نموذج مدارس الريادة من حيث تكلفتها الممتدة في الزمن خاصة لعملية التعميم حيث من المنتظر أن يرجع المعلم إلى وضعه الطبيعي كأستاذ في فصل دراسي وليس بعمل إضافي في مدارس الريادة.
وتوقع الصمدي أن الوزير الحالي لا يمكنه إلا أن يذهب في اتجاه تقييم المشروع وجدواه، ويرجعه من جديد إلى وضعه الطبيعي من خلال آليات قانونية وتشريعية ومؤسساتية موجودة؛ ينبغي أن تشرك في تقييم هذا المشروع وتحديد مدى النجاح في الاستمرار فيه أو العودة به مرة أخرى إلى منطق الإنصاف وتكافئ الفرص حتى يستفيد منه أبناء المغاربة أجمعين.
أما الأستاذ بايشى فيذهب إلى أن عرض الوزير أمام اللجنة القطاعية بمجلس النواب مؤشر على استمرارية هذا النموذج، حيث من المفترض كوزير جديد أن تكون له نظرة جديدة وناقدة؛ تؤكد الإيجابي وتتجاوز السلبي وتأخذ بعين الاعتبار انتظارات وملاحظات الفاعلين.
وخلص الخبير التربوي إلى أنه يجب أن يكون هذا النموذج أولا مناسبا للبيئة المغربية، وأن يكون نموذجا متناسقا وأن نسير به فعلا إلى الأمام بدل أن نبدله في كل مرحلة وبدل أن نكون في كل مرة أمام إصلاح وتغيير إصلاح جديد.