الهلالي يكتب: لغة تدريس العلوم بين التأصيل الدستوري والتبرير البيداغوجي

(1)
منذ اعتماد قانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي عاد النقاش العمومي حول لغة تدريس العلوم بالمغرب إلى المربع الأول بعدما تضمنته المادتان 2 و31 من هذا القانون من شرعنة للعودة إلى فرنسة لغة تدريس العلوم في مخالفة واضحة لتوافقات الهندسة اللغوية التي جاءت بها “الرؤية الإستراتيجية للإصلاح : من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء” ووفي انتهاك صارخ للفصل الخامس من الدستور المغربي لسنة 2011.
لقد نصت المادة 2 من مشروع القانون الإطار على مفهوم التناوب اللغوي باعتباره “مقاربة بيداغوجية وخيارا تربويا يستثمر في التعليم المزدوج أو متعدد اللغات، بهدف تنويع لغات التدريس، عن طريق تعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغات الأجنبية قصد تحسين التحصيل الدراسي بها”.
بينما تضمنت المادة 31 إجراءات تخص الهندسة اللغوية بما فيها ما يتعلق بتنزيل مفهوم التناوب اللغوي حسب صيغة النص التي جاء بها قانون الإطار، وهي إجراءات متناقضة أولا مع المادة 2 من نفس القانون، ثم مع ما جاء في الرؤية الإستراتيجية ذاتها .
لقد تحول التناوب اللغوي من “تدريس بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد” إلى “تدريس بعض المواد والمجزوءات” أي من إعمال التناوب بين لغة رسمية وأخرى أجنبية بشكل جزئي في مادة واحدة إلى اعمال لغة أجنبية وحيدة في بعض المواد من المنظومة، وهو ليس مجرد خلاف في نطاق أو منسوب هذا التناوب فقط، بل يتعداه إلى إقصاء كلي للغة الرسمية وإحلال اللغة الأجنبية ليس في كامل المواد العلمية والتقنية وحسب، ولكن حتى في مواد أدبية أو مواد مشتركة بين الأدبي والعلمي، كما هو الشأن بخصوص الاجتماعيات والفلسفة وغيرهما، خصوصا أن المادة 31 تحدثت عن بعض المواد واستعملت عبارة “لاسيما” التي لا تفيد الحصر، وذلك عند حديثها عن المواد العلمية والتقنية، لأن هذه الأخيرة هي بعض من مجموع المواد.
هذا التحوير هو الذي تسبب في “بلوكاج برلماني” قادته الأغلبية الضمنية مسنودة بضغط سياسي شارك فيه “رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي” الذي تنكر لتوافق جميع المكونات الممثلة في المجلس الذي يرأسه، وذلك عندما خرج عن واجب التحفظ وقام بتوجيه اتهامات مبطنة لمن يدافع عن الوفاء لهذا التوافق بعرقلة الإصلاح، بتأكيده أن “هذا المشروع يصطدم، هنا وهناك، برياح معاكسة، وبمقاومات مناقضة، تارة معلنة وتارة أخرى مستترة”.
لقد كشف هذا النقاش في البرلمان أن الخلاف لم يعد بين رؤية تتشبث بمواصلة تدريس العلوم والتقنيات باللغة الوطنية والرسمية للدولة بعد دسترتها، وبين منظور يدافع عن إشراك جزئي للفرنسية في تدريس هذه المواد لتعزيز القدرات اللغوية للتلاميذ، بل أضحى هذا الخلاف جزء من خطة هجومية لإيقاف أي مسعى لمواصلة جهود التعريب في مرحلة الجامعة، وتحول معها الخلاف المذكور كذلك من مطالبة بالإزدواجية اللغوي في تدريس العلوم والتقنيات ولو بالإشراك الجزئي للعربية في تدريس هذه المواد إلى جانب الفرنسية، إلى دعوة مباشرة لفرنسة كلية للمواد العلمية والتقنية وإقصاء كامل للعربية .
وفي النهاية فقد انتصرت إرادة الفرنسة الكاملة للمواد العلمية والتقنية في المرحلة الثانوية ولاحقا في المرحلة الإعدادية على مجرد إشراك جزئي للعربية بعد تصويت البرلمان وامتناع بعض الفرق المناصرة للعربية على المادتين .
فهل ستنتصر هاته الارادة أيضا على مستوى التنزيل العملي والمهني وهل سوف نرى فعلا اختفاء لأعطاب ومشاكل التعليم التي الصقت زورا بالعربية والتعريب؟ أم أن هذا القرار سيضيف عوامل جديدة الى الفشل التعليمي المتراكم واستمرارا لحالة التأخر في مؤشرات التنمية البشرية التي تصنف المغرب في ذيل الترتيب الدولي منذ عقود .
هذا هو السؤال الذي أحيل الجواب عنه على التاريخ وعلى الأجيال المقبلة.
لقد أسهم هذا التصويت البرلماني في العدول عن توافق مجتمعي مؤسساتي إرادي بين المكونات الاساسية للامة، وتعويضه بتوافق تحكمي برلماني إذعاني تم تمريره ضدا على ارادة الحزب الذي يقود الحكومة وضدا على أعرق الأحزاب المغربية التي ناضلت من اجل مكسب التعريب والموجود اضطرارا في المعارضة، وهو ما سيبقي المسؤولية السياسية والتاريخية والقيمية ثابتة في حق كل من ساهم في اتخاذ هذا القرار وبدرجة أقل على كل من كان يتوفر على امكانية منع وقوعه وخيب امال الارادة الشعبية في هذا القضية المجتمعية .
لقد تحول التناوب اللغوي في الصيغة النهائية للقانون بموجب هذا التصويت من “مصطلح” إلى “مبدأ”، وتغيرت مضامينه اتساعا وشمولا لتتجاوز إشراك لغة أجنبية مع اللغة أو اللغتين الرسميتين بهدف إتقانها وتعلمها من خلال التدريس بها لبعض المجزوءات والمضامين في بعض المواد، إلى إحلال هذه اللغة أو اللغات الأجنبية محل اللغة العربية وإقصاء للغتين الرسميتين في تدريس المواد العلمية والتقنية، وربما في مواد أخرى أيضا، حيث أصبح التناوب اللغوي “مقاربة بيداغوجية وخيارا تربويا متدرجا يستثمر في التعليم المتعدد اللغات، بهدف تنويع لغات التدريس إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة، وذلك بتدريس بعض المواد، ولاسيما العلمية والتقنية منها، أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية”.
هذا الخلاف حول لغة التدريس يتجاوز البعد التقني والبيداغوجي إلى أبعاد تصورية ومعرفية مؤطرة لأسس ومرجعيات الإصلاح عامة والإصلاح التعليمي خاصة، في تقاطعاته مع المشروع المجتمعي والنموذج التنموي، وفي صلته بموقع السؤال اللغوي من طموحات التقدم والتنمية والنهضة.
إن النقاش العمومي لسؤال لغة تدريس العلوم كشف عن وجود رؤيتين متعارضتين: الرؤية الأولى تؤطر اللغة ضمن الثوابت الجامعة ومقومات السيادة الوطنية، والرؤية الثانية تختصر اللغة في بعدها التواصلي وتتعامل معها بمنظور نفعي تغلفه بمبرر بيداغوجي.
 (2)
إن النقاش العمومي لسؤال لغة تدريس العلوم كشف عن وجود رؤيتين متعارضتين: الرؤية الأولى تؤطر اللغة ضمن الثوابت الجامعة ومقومات السيادة الوطنية(اولا)، والرؤية الثانية تختصر اللغة في بعدها التواصلي وتتعامل معها بمنظور نفعي تغلفه بمبرر بيداغوجي( ثانيا).
أولا : اللغة من منظور الثوابت الجامعة ومقومات السيادة:
تنطلق هذه الرؤية من النظر إلى اللغة كمكون من مكونات الكينونة والهوية وتؤطرها ضمن الثوابت الجامعة ومقومات السيادة الوطنية، لذلك فهي تدافع عن تبوئ اللغتين الرسميتين للدولة مكانة الصدارة في المدرسة والإدارة والمقاولة وسائر مجالات الحياة العامة باعتبارها من الثوابت الجامعة ومن العناصر التي تسهم في توحيد وانصهار مكونات الأمة متعددة المشارب ومتنوعة الروافد ومقوم من مقومات هويتها الراسخة، وإلى جانب ذلك لا تلغي اللغات الأجنبية، بل تجعل منها أداة للانفتاح والتواصل والولوج الميسر إلى المعارف الكونية والحضارة المعاصرة بشرط أن تكون هذه اللغات الأجنبية من بين اللغات الأكثر تداولا في العالم وهي نفس الوضعية التي نص عليها الدستور في فصله الخامس مع العلم ان الاحصاءات المعروفة في ترتيب التداول تصنف الانحليزية اولا والفرتسية تاسعة .
وعلى هذا الأساس، فإن الموقع الطبيعي لهذه اللغات الأجنبية في الهندسة اللغوية من الناحية البيداغوجية والتعليمية هو أن تكون ضمن اللغات المدرّسة والمدروسة بهدف تعلمها وإتقانها، وليس ضمن لغات التدريس التي تنافس اللغتين الرسميتين وتنتقص من ضمانات حمايتها بالإهمال، وتقلل من فرص تطورها بالاستعمال، إلا على سبيل دعم الوظيفة الدستورية التي حددها لها الدستور وهي وظيفة “التعلم والإتقان” مع ما يمكن ان يسمح به من تدريس جزئي أو تكميلي لبعض المضامين أو بعض المجزوءات إلى جانب اللغة العربية حاضرا واللغة الأمازيغية مستقبلا، كما حرى التوافق عليه في الرؤية الاستراتيجية للتربية والتكوين.
وإذا لم يكن ذلك كافيا لحسن إتقانها بما يحقق وظيفتها التواصلية من خلال دراسات علمية نزيهة وتقييمات موضوعية مستقلة، عندها يمكن اللجوء إلى بدائل إضافية أسوة بما هو معمول به في الممارسات الفضلى وفي التجارب الدولية الناجحة.
ومن هذه الحلول إمكانية سن تدابير استدراكية تتعلق في جزء منها بتطوير مناهج تدريسها والاستفادة من مناهج إتقانها المطبقة في المعاهد والمدارس التي تشرف عليها البعثات الأجنبية أو المعاهد الخاصة.
كما يمكن أيضا في الحالات القصوى اعتماد إلزامية إتقانها عبر الحصول على مؤهل لغوي قبل الولوج إلى بعض التخصصات أو الجامعات ذات الاستقطاب المحدود أو معبرا التاميا إلى بعض التخصصات أو الوظائف كالعمل الديبلوماسي أو البحثي وغيرها.
وهذه الرؤية المنحازة إلى السيادة اللغوية تؤسس لترافعها حول جعل لغتي الهوية أداة للتنمية واللغات الأجنبية أداة للتواصل والانفتاح على مجموعة من الحجج، منها ما هو دستوري وقانوني، ومنها ما هو تاريخي وحضاري، ومنها ما هو علمي وتنموي، وأخيرا ما هو حقوقي وديمقراطي مرتبط بالحق في العدالة اللغوية.
-أما الأساس الدستوري والقانوني :
فأهمه ما ورد في الهندسة اللغوية كما أوردها الدستور، والتي تميز بين لغات الهوية الوطنية التي هي لغات رسمية للدولة، يتعين عليها حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وبين التعبيرات المحلية واللهجية الثقافية المستعملة بالمغرب باعتبارها من مكونات الهوية الثقافية للمغرب كالحسانية او العاميات العرلية والامازيغية المتداولة حسب المناطق والمجالات الترابية، والتي يتعين حمايتها في نطاق انسجام السياسات اللغوية والثقافية الوطنية، من جهة بين لغات وسائل التواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر، وهي اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، والتي تتصدرها الإنجليزية وتأتي الفرنسية بمعيار التداول في المرتبة التاسعة حسب الاخصائيات المذكورة.
وفي هذا الصدد نص الفصل الخامس من الدستور على ما يلي:
“تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.
تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.
يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.
تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر.
يُحدَث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره”.
وبفحص هذا التأطير الدستوري يمكن التساؤل عن كيف يمكن أن تظل العربية اللغة الرسمية للدولة وهي تقصى من مجالها الحيوي المتمثل في تدريس العلوم والتقنيات؟. وكيف يتسنى للدولة أن تعمل على حمايتها أو تطويرها، أو تنمية استعمالها إذا تم إقصاؤها من أبرز مجال للتطور أو تنمية الاستعمال، وهو مجال تدريس العلوم والتقنيات. وكيف يمكن أن تسهر الدولة على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وهي تجعل لغة أجنبية متدنية في الترتيب، أسمى من اللغة الوطنية الرسمية في التعليم وهي اكثر تداولا منها، وتعطيها الأولوية في تدريس المواد العلمية والتقنية في المدرسة والجامعة، وتبعا لذلك في الاقتصاد والإدارة والثقافة. بل كيف يتم تفضيل لغة أجنبية لا توجد في وضعية أفضل بكثير من العربية في التصنيف الدولي ولا في وضعية تنافس اللغة الأجنبية الأكثر تداولا في العالم في مهمة التعلم والإتقان، فهل الفرنسية أكثر من الإنجليزية في تحقيق التواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، أو في الانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر؟.
إن هذا النكوص اللغوي فضلا عن كونه خرقا واضحا للدستور، يعد ايضا تجاوزا لما نص عليه ميثاق التربية والتكوين في ثوابته الأساسية التي جاء فيها ما يلي: “يلتحم النظام التربوي للمملكة المغربية بكيانها العريق القائم على ثوابت ومقدسات يجليها الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية؛ عليها يربى المواطنون مشبعين بالرغبة في المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص وهم واعون أتم الوعي بواجباتهم وحقوقهم، متمكنون من التواصل باللغة العربية، لغة البلاد الرسمية، تعبيرا وكتابة، متفتحون على اللغات الأكثر انتشارا في العالم، متشبعون بروح الحوار، وقبول الاختلاف، وتبني الممارسة الديمقراطية، في ظل دولة الحق والقانون”.
ومن ثم فكل إخراج للغة الأجنبية من الوضع الذي وضعها فيه الدستور وهو البعد التواصل وبعد الانفتاح، هو بمثابة استهداف للغتين الرسميتين وانتهاك لضمانات حمايتهما وإخلال بالتزامات الدولة بتنمية استعمالهما وتطويرهما لمواصلة قيامها حاليا أو مستقبلا بوظيفتها كلغة رسمية للدولة.
لقد تم تفويت فرصة تدارك هذا الامر وتحكيم التوافق الحاصل بهذا الشأن في الرؤية الاستراتيجية للتربية والتكوين عندما لم يتم استثمار الاطار الدستوري المتعلق بالرقابة على دستورية القوانين وترك القضاء الدستوري يقول كلمته الفاصلة بشكل لا غالب فيه ولا مغلوب، وباعتبار ان القضاء يشكل سلطة مرجعية باتة في تفسير الدستور والقوانين. لكن النشر السريع للقانون في الجريدة الرسمية أبان عن تسرع غير معهودة في الدول العريقة اثناء معالجة قضية مجتمعية بهذا الحجم .
إن الامل مازال معقودا للرجوع المؤسساتي الى عين العقل والحكمة، وذلك من خلال المبادرة الشعبية في الرقابة على دستورية القوانين التي أسس لها الدستور 2011 في فصله 133 وقننها مشروع القانون التنظيمي رقم 68.51 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية، والذي ارجعته المحكمة الدستورية الى البرلمان وتأخر خروجه الى خي الوجود .
هذا الحل ما يزال في المتناول خاصة أن وسائل الاعلام تداولت خبرا حول عزل استاذ للرياضيات تشبت بما تضمنه القانون من تطبيق تدريجي لهاته الفرنسة بعد ان اصدر وزير التربية الوطنية عبر الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مذكرة لتعميم الفرنسية حتى قبل أن يصير القانون ساري المفعول .
هذا الاستاذ وغيره من الحالات التي يمكن أن تأتي مستقبلا، يمكنه بموجب ميطرة الدفع بعدم الدستوىية المتاحة للمواطنين من أجل مراجعة القوانين المطبقة عليهم من قبل المحاكم أن يدفع بعدم دستورية مقتضيات فرنسة المواد العلمية أمام المحكمة التي تنظر في قضية عزله من قبل الوزير لكي يحال هذا القانون على المحكمة الدستورية لتفصل في هاته الاحالة قبل ان تبت المحكمة في قضيته . وهنا سيكون القضاء الدستوري بالمغرب أمام الامتحان المهني والتاريخي عند نظره في مدى مطابقة القانون الاطار عموما والمادة 2 منه على وجه الخصوص، لأحكام الفصل الخامس من الدستور ومدى انتهاك اقصاء العربية الان والامازيغية مستقبلا من تدريس المواد العلمية والتقنية لضمانات حماية اللغتين الرسميتين ووكذا لالتزامات الدولة بتنمية استعمالهما وتطويرهما وكذا لالتزامها بضمان انسجام السياسات اللغوية .
-أما الاعتبار التاريخي : والحضاري : فإن حجة استكمال السيادة اللغوية، واستئناف مسيرة التحرر القيمي والثقافي واللغوي كافية لوضع الفرنسية في موقعها الطبيعي لكي تؤدي أدوارها في مهمة التثاقف والتلاقح بين الثقافات، والانفتاح على الحضارات، وتحقق التواصل مع المجتمعات والدول التي ترتبط مع المغرب بروابط ثقافية أو تشترك معه في بعض المقومات التاريخية، على أن يتم الإعلاء من شأن السيادة الوطنية في اللغة والثقافة على ما سواها.
من جهة أخرى، فإن اللغة الوطنية ترتبط بمقومات الهوية الحضارية للمغرب بمكونيها العربي الإسلامي والأمازيغي، ويرتبط راهنا ومستقبلا بالانتماء إلى مجال حيوي جيوستراتيجي يقع اليوم في قلب تنافس دولي قوي على المستوى الاقتصادي والسياسي وهو العالم العربي، ويتوفر المغرب على فرص أقوى من غيره في هذا المجال، إذا حافظ على مقوماته، ومنها اللغة العربية، وأي إقصاء للعربية من تدريس المواد العلمية هو تفريط في هذه الفرص، وإضعاف لوجوده ودوره الجيوستراتيجي.
-أما من الناحية العلمية : والتنموية : فإن العربية تعد من بين اللغات الكونية الست المعتمدة رسميا في الأمم المتحدة منذ سنة 1974، وتحتل المرتبة الرابعة في مؤشر الاستعمال والانتشار بنسبة متحدثين في العالم تصل إلى 6.6% من سكان العالم، ونسبة إقبال عليها بالملايين لاعتبارات دينية واقتصادية وسياحية.
في حين تحتل الفرنسية المرتبة التاسعة بنسبة متحدثين لا تتعدى نصف المتحدثين بالعربية أي 3.05% من عدد سكان العالم، حتى وإن كانت الفرنسية الآن متقدمة بدرجة واحدة (المرتبة الرابعة) على العربية (المرتبة الخامسة) في التصنيف العلمي للغات في مؤشر البحث العلمي، فإن الفرنسية في تراجع، بينما العربية في صعود حسب هذا المقياس خاصة في العالم الرقمي، حيث تحتل العربية المرتبة الرابعة في استعمال الانترنت بنسبة مستعملين تصل الى 5%، بينما تحتل الفرنسية المرتبة السابعة بنسبة مستعملين لا تتعدى 3.3%، وبهذا تكون “اللغة العربية لغة العلوم والمعارف غدا ومستقبلا، فهي كما يؤكد الخبير الدولي عبد القادر الفاسي الفهري “لغة وطنية قوية تاريخا وحاضرا في مجال العلوم، وهي لغة مؤهلة للقيام بهذا الدور.
وإذا كانت اللغة الإستونية التي يتكلمها أقل من مليون فرد تدرس بها العلوم، وإذا كانت العبرية الحديثة (وهي لغة ناشئة لا يصل عمرها إلى قرن) تدرس بها العلوم حصريا من الابتدائي إلى العالي، ولا تقاسمها في ذلك لغة أخرى، والفنلندية والفارسية والتركية، الخ.. فما شأن العربية سوى أنها بيد قوم يرهبونها ويعذبونها، حتى وهم يستفيدون من عوائدها الاقتصادية، ويستعملونها لغة لكسب العيش، وللتواصل السلس الذي وفره لها من التزموا في الممارسة بجعلها لغة ذات محتوى وذات مراس. وهي من بين أقوى لغات العالم (ضمن خمس إلى عشر لغات كبرى) حسب الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري دائما.
والتعليم بغير اللغة الوطنية يطرح مشاكل عديدة إلى اليوم معروفة، أبرزها أن الذي يغير لغته إلى لغة ثانية أجنبية لا يتمكن من الفهم والتحصيل الدقيق في حالات كثيرة”.
-أما الاعتبارات الحقوقية والديمقراطية: فالمقاربة الحقوقية والديمقراطية تقتضي “النظر في النماذج التعددية للغات وآليات اعتمالها وانسجامها، الخ..
ومبتدؤها الربط بين اللغة (أو اللغات) الوطنية الرسمية والتراب، في التعليم والإدارة والفضاء العمومي والإعلام والإشهار، الخ..
والعدالة اللغوية والثقافية تعني العناية بالحقوق اللغوية للمواطن، ومبتدؤها الحق في لغة التراب أولا (وهي العربية والأمازيغية هنا)، والتعلم بها، الخ.. والحق في اللغة العالمية الأولى (وهي الإنجليزية بدون منازع)، والمرجعية الثقافية العالمية، وهي أنجلوساكسونية الآن، وأحقية اللغة (أو النوعة) المعيارية، وحماية النوعيات اللهجية بهدف الاستدامة، الخ..
والديمقراطية تقتضي مراعاة اختيارات الشعب المتعددة والمختلفة، واستشارته عبر الآليات المعروفة، وضمنها الاستفتاء.
والأخلاق تقتضي، ضمن أمور أخرى، احترام لغات الوطن والتراب والمواطنين، عوض التشهير بها وتبخيسها. وكل الحلول تؤدي إلى تعددية لغوية خاصة، متمكنة وطنيا ودوليا، ومتوافق عليها، لكنها تتماشى والحلول المطبقة في البلدان التي نجحت في تكوين المواطن المرتبط بلغته ووطنه، المتعلم للغات الآخر التي يجد فرصا فيها له ولوطنه، المنفتح على الثقافة العالمية. يضيف الفهري .
ومن هنا، يبطل كل حل يطلب من المواطن أن يتخلى عن لغته التي تمثل هويته ليكون “كونيا” أو عالميا (فقط). فمفارقة العولمة أنها أعادت الاهتمام بالهويات إلى الواجهة، واستدعت التوفيق بين “الانتماء إلى العالم” و”الانتماء إلى القبيلة” (الكينونة) بمعناها الواسع، سواء كانت إثنية أو أمة أو ديانة، بحكم الحق في التجمع الحر، الخ، ثقافةً ولغةً. ومن هنا يبطل كذلك الزعم بأن الدفاع عن العربية في التعليم فعل إيديولوجي، أو أن الدفاع عن الأمازيغية في التعليم فعل إيديولوجي، بل هو مطلب مشروع لأي متكلم بلغة مدسترة، تمثل هويته، وتحفظ كرامته” كما يؤكد ذلك العلامة اللغوي عبد القادر الفاسي الفهري.
(3)
ثانيا : اللغة من منظور تواصلي وبيداغوجي
تنظر هذه الرؤية إلى السؤال اللغوي بمنظور نفعي أو مصلحي آني، وتؤطره ضمن مقاربة تواصلية مع تغيب لجميع الوظائف اللغوية واللسانية الأخرى.
إنها رؤية تستبطن موقفا تبخيسيا للغة الوطنية، باعتبارها ليست لغة علم، و بالتالي غير مؤهلة لتدريس العلوم، وفي ذات الوقت تحمل حكم قيمة يمجد اللغة الأجنبية ليس باعتبارها لغة علم، ولكن لاعتبارات أخرى إيديولوجية في مقام أول، ثم لكونها مكتسبا تاريخيا للنخبة ومصدرا للنفوذ الاقتصادي والثقافي الموروث من المرحلة الاستعمارية، طالما أن التركيز في الواقع يتم على لغة تحتل مراكز غير متقدمة في التداول العلمي، ومتدنية في الاستخدام الإنساني العالمي، وهي الفرنسية، ولو كان المقياس العلمي والبيداغوجي هو الفيصل في هذا الاختيار، لتم التركيز على اللغة الحية المصنفة في صدارة المؤشرات العالمية في الاستخدام العلمي أو الاستعمال التداولي في العالم، والتي هي الإنجليزية أو حتى الإسبانية، طالما أن هذه الأخيرة تشترك مع الفرنسية في بعض الاعتبارات التاريخية والاقتصادية كونهما هي الأخرى لغة مستعمر سابق.
وتقوم هذه الرؤية النفعية على مقاربة تتوسل بمبرر بيداغوجي يقوم على المقولات التالية :
-اللغة العربية غير مؤهلة: لتدريس العلوم واللغة الفرنسية لغة علم : وهذه مغالطة جرى التسويق لها لإبعاد الحجة القوية التي تؤكدها جميع الدراسات العلمية والبيداغوجية التي تربط التقدم في مؤشرات التنمية البشرية في التعليم بالتدريس باللغة الأم واللغة الوطنية، فالدول العشرين الأولى تُدَرِّسُ بلغتها الوطنية، حسب موقع سيماغو scimago الذي يُعتبر المرجع الأساسي في جمع البحوث الطبية منذ 1996. وإذا استثنينا الولايات المتحدة وإنجلترا، فجُل الدول الثمانية عشر الأولى في العالم لا تُدرس العلوم باللغات الأجنبية، بما فيها الانجليزية، وهكذا فإن ألمانيا تدرس الطب بالألمانية واليابان باليابانية وتركيا بالتركية.
إذاً يمكن أن نستنتج أن تدريس العلوم بلغة أجنبية ليس شرطا للتفوق في المجال العلمي، وخاصة الطبي، وأنَّ التدريس باللغة الوطنية يُبَوِّئُ أعلى المراتب العلمية ويؤدي إلى تطور الطب والبحث العلمي. حسب ما يشير إلى ذلك الدكتوران محمد الأزمي الإدريسي أستاذ علم المناعة بكلية الطب والصيدلة بفاس، والدكتور أحمد عزيز بوصفيحة أستاذ طب الأطفال المسؤول عن وحدة المناعة السريرية بالمركز الاستشفائي الهاروشي بالدار البيضاء.
-فشل مسار التعريب : المقولة الثانية التي يروجها خطاب الفرنسة هي فشل التعريب بعد ما يناهز نصف قرن من تطبيقه في المدرسة إلى حدود الثانوي، وتلك مغالطة أخرى بالقياس إلى نتائج التعليم ومردوديته ومستوى الهدر قبله وبعده، ولغياب أو تغييب أي دراسة علمية أو تقييم مؤسساتي يمكن أن يؤكد ذلك، وهو أيضا مغالطة لأن الحرب على التعريب وتعويقه وتشويهه لم تتوقف منذ أول يوم لاعتماده. ويمكن ببساطة مقارنة المشاكل الأساسية للتعليم في علاقتها بمرحلة الفرنسة أو مرحلة التعريب لنعرف الفارق، فعلى سبيل المثال، فيما يخص نسبة الهدر المدرسي، فإن المعطيات الرسمية تفيد أن نسبتها في تراجع مستمر بعد أن كانت عالية جدا في مرحلة الفرنسة طيلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث تتجه اليوم إلى الانحصار في التعليم الثانوي الإعدادي، في حدود 6.26%، أما في ما يتعلق بالتعليم الثانوي التأهيلي، فتبلغ النسبة 3.31%.
“والذين يدعون أن التعريب فشل، لم يقدموا دليلا على ذلك، بل يصدرون عن فقدان للموضوعية وضعف للتبصر، في غياب تقييم موضوعي محايد لتجربة تعريب المواد العلمية في التعليم الإعدادي والثانوي في المغرب “. عبد القادر الفاسي الفهري.
-تعزيز تكافؤ الفرص في الولوج الى الشغل والارتقاء الاجتماعي: من الحجج التي يستند إليها المدافعون عن الفرنسة هو تمكين أبناء الشعب المغربي جميعا من فرصة التعلم بالفرنسية أسوة بأبناء الأغنياء الذين يتمكنون من التمدرس بالفرنسية في البعثات أو في القطاع الخاص. وهي حجة تختلط فيها الإيديولوجيا بالمزايدة، ذلك أن فرض الفرنسية، خاصة في القطاع الخاص، هو المشكل الذي يتعين معالجته بجعل المرفق التعليمي خاضعا بجميع مكوناته لدستور البلاد محترما للغتها وليس إلحاق المرفق العام بالقطاع الخاص بدعوى تكافؤ الفرص.
كما أنه وبصرف النظر عن المسألة اللغوية فإن تكافؤ الفرص بين المرتفقين في التعليم بفرعيه العام والخاص لا يقتصر على لغة التدريس فقط، ولكن يتجاوز ذلك إلى نمط الحكامة والتسيير وإلى المناهج والبرامج والأدوات البيداغوجية والفضاءات والبيئة التعليمية المنتجة والمحفزة، وذات المردودية في القطاع الخاص القائم على روح المقاولة ومنطق الربح، بينما يظل المرفق العمومي غارقا في مشاكله ينتج ظروف فشله وعوامل تؤخره بافتقاده إلى رؤية ناظمة، وافتقاره إلى نمط حكامة جيد ومناهج وبرامج منتجة ومدرس محفز وبيئة للابتكار والتجديد.
إن جهود تكافؤ الفرص ينبغي أن تنصب على فرص التعليم والتعلم بالنسبة للتلاميذ بين الوسط الحضري والوسط القروي وبين قلب المدن وهوامشها، خاصة على مستوى “التفاوت الحاصل بين التعليم في القرى والحواضر، على مستوى البنيات الأساسية وهيئة التدريس معا، وانعكاسات ذلك المباشرة على التلاميذ وقدرتهم على استكمال مراحل التعليم الإجباري.
فالمعطيات الإحصائية تؤكد الفوارق العميقة بين المجال القروي والحضري، حيث بلغت نسبة التمدرس في السلك الثانوي الإعدادي سنة 2017 حوالي 74% في الوسط الحضري مقابل 36% في الوسط القروي، أما على مستوى التعليم الأولي فتصل نسبة التمدرس في الوسط الحضري 60% مقابل 35% في المناطق القروية.
إن الفوارق بين الوسطين الحضري والقروي تمس الولوج إلى الخدمات التعليمية وجودتها، وتمس النتائج أيضا، حيث أن التلاميذ الذين يتابعون دراستهم في العالم القروي يحصلون على نتائج أقل من نظرائهم في الوسط الحضري، وتمس التوفر على الإمكانيات البيداغوجية، إذ إن تلميذا من بين أربعة في العالم القروي لا يتوفر على الكتاب المدرسي لمادة الرياضيات، وتمس مستوى حضور الأساتذة، على اعتبار أن معدل غياب الأساتذة يصل إلى 5% في العالم القروي مقابل 3% في العالم الحضري. كما تمس الزمن المدرسي، حيث يحرم تلاميذ العالم القروي من أزيد من ساعة من التدريس يوميا مقارنة مع أبناء المناطق الحضرية.
لذلك فإن دعم تكافؤ الفرص ينبغي أن يتجه إلى أسبابها الحقيقية وليست الوهمية، وأن العكس هو الصحيح بخصوص التعريب، إذ ساهم بشكل واضح في وصول أبناء العالم القروي إلى مستويات تعليمية أعلى ورفع من نسب الحاصلين فيها على الشواهد العليا، بعد أن كان مسارهم يتعثر في الشهادة الابتدائية وفي أحسن الأحوال في الشهادة الإعدادية، ومن أفلت منهم يتساقط على أعتاب الباكالوريا والسبب كان هو لغة التدريس وليس شيئا آخرا.
-التجانس اللغوي بين المستويات التعليمية: وخاصة بين الإعدادي والثانوي وبين الثانوي والجامعي وذلك لتجاوز مشكل طلبة الجامعة الذين لا يستطيعون مواكبة الانتقال من العربية إلى الفرنسية في تدريس العلوم ويجدون صعوبة بيداغوجية تنعكس على التحصيل والمردودية وتتسبب في الهدر الجامعي.
هذا الرجوع إلى الفرنسة بعد أزيد من ثلاثة وأربعين سنة من التعريب لا ينطوي عن انعدام الرؤية والتردد في الاختيارات الإستراتجية والافتقاد إلى المشروع وحسب، ولكنه ينم كذلك عن تلاعب بمصير ومستقبل المغاربة وبحقهم الثابت في التقدم والتنمية والنهضة، والتدريس بلغتهم الوطنية، في نطاق ثوابتهم الجامعة واختياراتهم الأساسية، ويصادر فرصتهم في التنمية والتقدم، وفي الولوج إلى عالم المعرفة وحضارة العصر بلغة المعرفة ولغة البحث الأكثر تداولا في العالم، إن كان ولابد من ترك الجامعة غير منسجمة مع المدرسة في لغة تدريس العلوم والتقنيات بالعربية.
والخلاصة: هي أن قرار الرجوع إلى فرنسة المدرسة عوض تعريب الجامعة، والذي تم تمريره ضدا على الإرادة الشعبية وممثليها؛ هو خطوة أخرى تندرج في سياق التراجعات الحقوقية والسياسية التي تعيشها بلادنا، وهو ما يمثل مؤشرا من مؤشرات التراجع الديمقراطي وتبخيسا للسياسة والعملية الديمقراطية بالمغرب، ونوعا من أنواع مصادرة القرار العمومي من قبل جهات غير مؤسسية.
ومن الخلاصات كذلك هي أن السلطوية أجبرت لعقود طويلة على الرضوخ للإجماع الشعبي حول المبادئ الأربعة للتعليم من توحيد وتعميم ومغربة وتعريب، وقبلت باعتماد الحل الذي اقترحه الدكتور عز الدين العراقي سنة 1977 للخروج من الأزمة التي تسببت فيها الازدواجية اللغوية وخاصة الهدر المدرسي وباعتماد تعريب تصاعدي وصل إلى الثانوي، وتوقف عند حدود الجامعة التي امتنعت عن مجرد فتح مسارات أو شعب علمية أو تقنية معربة أو عن طريق التناوب اللغوي رغم الإجماع على ذلك، ورغم تنصيص كل مشاريع الإصلاح وآخرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين ثم الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم.
حيث ظلت ترفض جميع مشاريع إصلاح التعليم وتعوق لجانه ومناظراته الوطنية غير آبهة بإجماع المكونات الأساسية للشعب المغربي على التمسك بالتدريس بلغة المغاربة الرسمية، إلى أن جاءت هذه الفرصة في هذا السياق للرجوع إلى خطاب الفرنسة، مرة بادعاء فشل التعريب في النهوض بالتعليم مع القفز على مختلف عوامل تدهوره الحقيقية، ومرة أخرى بتحميل العربية كل أوزار الإخفاق التعليمي مما دفع المتحكمين في الشأن التعليمي إلى محاولة إيجاد فجوة ملائمة للعودة إلى فرنسة التعليم.
وقد تم الاستناد على مجموعة من المقولات لتنفيذ هذه العودة من قبيل مقولة الاستثمار في تعليم متعدد أو مقولة التناوب اللغوي التي تم إقحامها بعناية في الرؤية الإستراتيجية للتربية والتكوين ثم فرضها لاحقا، وبشكل أكثر اتساعا وشمولا في القانون الإطار.
ومن الخلاصات البارزة كذلك هي أن ما جاء في القانون الإطار لا يعدو كونه انحرافا عن الرؤية الإستراتيجية للتربية والتكوين المتوافق بشأنها بين المكونات الأساسية للشعب المغربي، وهو انتهاك للسيادة الوطنية وخرق للثوابت الجامعة ومقومات الهوية الراسخة لبلادنا كما نص عليها الدستور المغربي، وانتصار للغة المستعمر على اللغتين الوطنيتين الرسميتين، وتجاوز للتقاليد العلمية والبيداغوجية الحقة التي تعطي الأولوية في التدريس والاقتصاد والإدارة والفضاء العام للغة الأم ولغة الهوية الوطنية، وتضع اللغات الأجنبية الأكثر تداولا كلغات للتواصل بين الشعوب والثقافات وأداة للولوج إلى المعرفة والبحث يتعين تعلمها وإتقانها بوصفها لغات مدرّسة وليس لغات تدريس إلا على نحو تكميلي.
أما مقولات التعليم المتعدد أو التعليم المزدوج، فهي مجرد مبررات للتنكر للغة الهوية وإقصاء اللغة الأم ليس من التعليم وحسب، ولكن من الحياة ككل، أي افتقاد السيادة اللغوية لا غير.
فهل يكون الوطنيون في مستوى اللحظة لجعل السيادة اللغوية اولوية وطنية، وسمو الدستور استحقاقا نضاليا؟.
المصدر: ذ. امحمد الهلالي/ مقالة من ثلاثة أجزاء على حسابه الرسمي بموقع “فايسبوك”

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى