النموذج التنموي، إشكال الأفكار أم التنزيل؟ – نورالدين قربال

دعا جلالة الملك إلى نموذج تنموي جديد، ولهذا الغرض عين جلالته لجنة لتحضير هذا النموذج، وقد نهجت مبدأ التشاركية حيث استمعت ومازالت للفاعلين السياسيين والاجتماعيين والمدنيين وغيرهم  إضافة إلى المنصة الرقمية التي سيتفاعل معها المتتبعون من أجل تعميم التشاور.

وفي هذا الإطار تطرح مجموعة من الأسئلة التي لا تنفي أهمية الحدث وتداعيه وطنيا وعالميا، والتجاوب العام معه. أسئلة من قبيل كيف ستوفق اللجنة بين هذه الاقتراحات الكثيرة من أجل صياغة الثمرة الأخيرة التي ستقدم أمام جلالته وتخلق دينامية تنموية داخل المغرب؟  ثم هل نحن في حاجة إلى أفكار جديدة أم إلى إرادات صادقة تتفانا في التنزيل؟ وهذه الأسئلة لا تعني إيقاف الإبداع والاجتهاد لأنهما سنتان ماضيتان في إطار منظومة التدافع الكوني. المهم هو التوافق على تعاقد اجتماعي مبني على مقتضيات دستور 2011.

وأحاول رصد معالم بعض الاقتراحات المطروحة على اللجنة للتأمل فيها واستنباط النتائج.نشير بداية أن ما طرح تصور وأفكار تغني الحوار الدائر وتساهم في هذه اللحظة التاريخية. إن التحديات اليوم كثيرة ومتنوعة ومن أهمها التحديات المناخية، التي لها انعكاس كبير على البشرية، وخاصة موضوع الهجرة، والتدبير الترابي بصفة عامة، والتعاون بين القطاعيين الخاص والعام، وتبني المقاربات المندمجة. وللإشارة فأية مقاربة للجانب البيئي تقلص من التداعيات ولا تقضي عليها لأن الإشكال هو كيف نوازن بين التقدم التقني وانعكاساته البيئية؟ وفي هذا الإطار كيف نوفر الماء للجميع؟ بل كيف ندبر نذرة المياه؟ ونظرا لخطورة الأمر نظمت جلسة عمل تحت الإشراف الفعلي لجلالة الملك من أجل وضع خطة استباقية في الموضوع، لأن الماء هو الحياة. وهذا من مؤشرات التنمية المستدامة التي لن تشق طريقها الطبيعي بدون تطور منظوم التربية والتكوين والبحث العلمي، والاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال، وهذه فرصة للاستثمار في الموارد البشرية، وتسريع منظومة الاندماج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. وقد اعتبرت منظومة التربية الأولوية الثانية للمملكة المغربية ولذلك تم اعتبار الإنسان في صلب ومحور الاختيارات التنموية، وقد خصص قانون مالية 2020  مبلغ 91 مليار درهم للتعليم والصحة، وهذا ما يدفعنا إلى استحضار الوضع الصحي ببلادنا والذي لا يرقى إلى المستوى المطلوب. إذن كيف نرفع من نجاعة الخدمات الصحية؟ كيف نؤسس لليقظة الصحية؟ كيف نبني التعاون الصحي بين الجهات في إطار العدالة المجالية؟ كيف نرفع من وضع المخططات وتفعيلها؟ كيف نرفع من الفعالية الإدارية والخدمات الصحية ؟ كيف نطور الأنظمة المعلوماتية بالمراكز الصحية؟ هل فعلا سننتج ثمارا من خلال مخطط  أفق 2025؟ أين تتموقع خدمات وانتظارات وحاجيات المريض؟ إننا نريد مستشفيات آمنة وناجحة وخدومة  ويقظة  وتمد الجسور بينها وبين المواطنين بالأمل والعناية .

ويبقى الاستثمار هو الحلقة المحورية في الداخل والخارج، خاصة في إفريقيا فمن الواجب أن يستثمر المغرب علاقاته الاستراتيجية التي يعقدها مع الدول في إطار اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف، خاصة على مستوى الاقتصاد الأخضر، والطاقات البديلة والتجارة دون إهمال الصناعة التقليدية من حيث النهوض بها وتمويل المقاولات الحرفية وإشراك ممثلي القطاع في الحوار الاجتماعي  مع النهوض بالحماية الاجتماعية  للأجراء، ويكون مؤشر نجاح هذه العلاقات هو الجواب على السؤال التالي: هل المغرب يتقدم ؟ مثلا هل حقق المغرب تقدما وازدهارا من خلال اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوربي؟ هل المغرب يستفيد من استثماره بإفريقيا وما هو عائدها على المواطن المغربي؟ هل فعلا عززنا علاقة جنوب جنوب ورابح رابح كما أكد على ذلك جلالة الملك؟إذن مزيدا من الاستثمار في القطاعات المنتجة والمشغلة.

ومن خلال ما عرض على اللجنة من قبل مجموعة من الفاعلين يمكن الإشارة إلى أن مداخل النموذج التنموي ثلاثة: القيم المجتمعية الجامعة والأصيلة، والاختيار الديمقراطي، والحكامة الجيدة  التي تقطع مع اقتصاد الريع والامتيازات غير الشريفة، والتمكين من التماسك الاجتماعي، والمساواة وتكافئ الفرص، والتركيز على الجهوية المتقدمة  ودعمها بالإمكانات الضرورية من أجل حسن استثمار طاقاتها المنتجة، والأخذ بعين الاعتبار توصيات المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة، والاعتناء بالأوضاع الاجتماعية للمواطنات والمواطنين، واحترام وتطوير المنظومة القانونية الاجتماعية، وتوفير العمل اللائق احتراما لكرامة الإنسان.  واحترام الحريات والحقوق وتقوية الوساطة الاجتماعية مع التركيز على البعد المؤسساتي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، واستحضار مفهوم العدالة بأبعادها الأفقية والعمودية  خاصة الجبائية في إطار مفهوم شمولي، مشحون بالفاعلية وتوفير الإمكانات البشرية والمادية التي تغطي متطلبات النموذج التنموي وتبني المنهج التشاركي خاصة على مستوى اتخاذ القرارات الإستراتيجية مع توفير العدل، وحسن التنزيل، ومحاربة الفساد، وإقرار العدالة الاجتماعية، وترتيب الأولويات وحل المشاكل العالقة، وإعادة الثقة للعمل السياسي.

ومن الأقطاب الواجب الاهتمام بها مجال الصيد البحري، والإسراع بحل المشاكل العالقة التي تعيق مسيرة تطوره وترشيد برامج المخطط الأخضر حتى ننمي القطاع الفلاحي كرافعة للاقتصاد الوطني. وإذا سلمنا بأن المغرب يعيش مشاكل مركبة فمن الواجب على النموذج التنموي أن  يقدم أجوبة عميقة دون الإهمال للبعد الثقافي  والتراث الوطني، ويلزم وضع آليات للتتبع والتنزيل للتوجهات الكبرى للبرنامج التنموي، ويبقى تغيير العقليات وتأهيلها هو محور كل تنمية لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ونسأل الله أن يوفقنا لما خير البلاد والعباد.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى