الكتاب المدرسي.. مخاوف من الانزياح عن الهوية الوطنية والدينية
يعتبر الكتاب المدرسي مرتكزا أساسيا في كل الإصلاحات التي جرت بالمغرب في قطاع التربية والتعليم على مر العقود كونه مصدراً هاماً من مصادر تنمية المعارف والمهارات والقيم لدى المتعلمين.
غير أن إصلاح المناهج والبرامج التعليمية منذ فجر الاستقلال تعرضت دوما لمحاولات تفريغها من هويتها الوطنية والدينية، و فرض اللغة الفرنسية بدل تنويع العرض اللغوي كأساس للتعلم وليس من أجل أن يصبح لغة تزاحم اللغات الدستورية.
وكان موضوع تدريس اللغات ولغات التدريس كعلى رأس المواضيع التي راجت حولها الكثير من الأغاليط والمغالطات، واستهدفت المدافعين عن المبادئ الكبرى التي اعتمدها رواد الحركة الوطنية وبناة نظام التربية والتعليم في المغرب المستقل.
وحاول المدافعون عن اللغة الفرنسية استحضار أسباب ذاتية تتعلق بوصم المدافعين عن اللغات الدستورية للبلاد بالانغلاق على اللغات الأجنبية وضد الانفتاح، وكونها لغات العلم، وهي الأنسب لتدريس المواد العلمية والتقنية، وتدريسها باللغة الأم سبب تراجع وفشل المنظومة التعليمية ببلادنا.
كما ادعوا أيضا أن تدريس المواد العلمية باللغة الأجنبية يحقق الإنصاف وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وأن المدافعين عن اللغات الرسمية “منافقون” يدعون الناس إلى ما لا يختارونه لأنفسهم، ولغة التدريس مسألة ثانوية، والذين يركزون عليها يهملون المشاكل الحقيقية والأسباب الرئيسية، وأن أهدافهم سياسية وإيديولوجية.
كما تطور جدل الفرنسة وطال القانون الإطار 51.17 بعد العودة الى الفرنسة بعد تعريب غير مكتمل وبأساليب ملتوية تعاكس تطلعات المغاربة، والانفتاح المتبصر على الكسب الانساني العام في كل المجالات عبر الترجمة وتعلم اللغات الحية الاكثر تداولا في العالم حسب نص الدستور.
دعوات لتطوير الكتاب المدرسي وتجاوز اختلالاته
ومع توالي هذه النقاشات، توالت الدعوات إلى تطوير الكتاب المدرسي، من بينها مطالبة مجموعة من البرلمانيين بمجلس النواب بضرورة تطوير الكتاب المدرسي مع بداية الموسم الدراسي الحالي، عبر تجويد مضامينه وحذف الصور النمطية منه وتنقيته من الأخطاء المسجلة في الموسم الدراسي المشرف على نهايته، علاوة على توفيره بالثمن المناسب.
وجاءت توصية مجلس المنافسة مع بداية الموسم الدراسي أيضا، بتوحيد المنظومة البيداغوجية للكتاب المدرسي على الصعيد الوطني، خصوصا المواد الأساسية منه، ووضع برنامج خاص يخول للقطاع العام امتلاك الحقوق الفكرية لهذا الكتاب، ودعوته إلى انفتاح أكبر، من حيث النشر والتوزيع، لصالح القطاع الخاص.
وأكدت توصيات مجلس المنافسة على ضرورة إجراء مراجعة جذرية للنموذج الاقتصادي الذي يقوم عليه سوق الكتاب المدرسي مع مراعاة الخصوصيات الثقافية والمجتمعية للبلاد، ومراجعة الأدوار والمهام المنوطة بالوزارة ذات الصلة بالكتاب المدرسي، وتفعيل إطار قانوني وتنظيمي جديد، فضلا عن جعل إنتاج الكتب المدرسية الموجهة للسلكين الابتدائي والثانوي من اختصاص الدولة باعتباره عملا يؤسس للسيادة الوطنية.
ولاحظ تقرير رأي المجلس حول “سير المنافسة في سوق الكتاب المدرسي” أن أصحاب المطابع لا يتوفرون على قدرات كافية للطبع لتلبية الطلب القوي المتزامن مع الدخول المدرسي، موضحا أن مؤلفـي الكتاب المدرسي المشكلين أساسا من المفتشن والأساتذة التابعين لوزارة التعليـم (المزاولين أو المتقاعدين). كما طالب بمراجعة آليات تخصيص الموارد المالية العمومية وشبه العمومية الموجهة للكتاب المدرسي وإعادة توجيهها بصورة ملحوظة، مع بلورة سياسة عمومية تروم تحديث الكتاب المدرسي عبر تأهيله باستمرار لمسايرة عالم التكنولوجيات الجديدة للإعلام والتواصل.
تجربة المغرب الجديدة لإنتاج الكتاب المدرسي حادت كثيرا عن فلسفة التعدد والتنافسية
أكد الخبير التربوي الأستاذ محمد سالم بايشى في حديث صحفي، أن تجربة المغرب الجديدة في إنتاج الكتاب المدرسي قد حادت كثيرا عن فلسفة تعدد الكتاب المدرسي وتنافسيته واحترام ضوابط المنافسة والحكامة وفق دفاتر التحملات، بحيث بقيت امتيازات التأليف والإنتاج لدور النشر نفسها منذ قرابة 20 عاما.
وذهب إلى أنه حتى التعديلات والإصلاحات، التي اعتمدتها الوزارة في السنوات الأخيرة لم تفتح بشأنها أية منافسة، بل دعي نفس الناشرين إلى إدراج “الإصلاحات” في طبعات جديدة، بشكل أثار الكثير من الإستغراب.
ولفت الخبير التربوي النظر في نفس الإطار إلى أن المديريات تصدر مذكرات توزع فيها الكتب على مناطق جغرافية أو إدارية فيجد الأستاذ نفسه أمام كتاب مفروض، رغم صلاحيات اختيار الكتب يفترض أن تكون للمؤسسة من خلال مجالسها.
وعن طريقة المصادقة على الكتب المدرسية، أشار بايشى إلى أن المفروض وجود لجن للمصادقة تدرس مشاريع الكتب المدرسية ومدى التزامها بدفتر التحملات، وبناء على قرارات هاته اللجن تمنح المصادقة، أو تطلب تعديلات معينة، أو يتم رفض المشروع.
كما أوضح المفتش التربوي في التعليم الابتدائي أن المفروض أن تدرس هاته اللجان مشاريع الكتب المدرسية من زاويتين أساسيتين: الزاوية الأولى تخصصية تهم التخصص العلمي والمقاربة الديداكتيكية المعتمدة، والزاوية الثانية تهم ثوابت المجتمع واختياراته إضافة إلى البعد القيمي المتمثل في انسجام مضامين الكتب المدرسية مع منظومة قيم المجتمع وتجنب ما يناقضها.
توجه الحكومة لاعتماد نموذج جديد للكتاب المدرسي
كان وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، قد كشف أن الوزارة بصدد الاشتغال على نموذج تربوي واقتصادي جديد للكتاب المدرسي، وذلك تنفيذا للتوصيات المضمنة في الرأي الصادر عن مجلس المنافسة. مشيرا إلى أن الإصلاح المنتظر للكتاب المدرسي يأتي بالموازاة مع ورش مراجعة المناهج الدراسية للتعليم الثانوي وتنزيلا لمقتضيات خارطة الطريق 2022-2026.
وأوضح المسؤول الحكومي في جواب له على سؤال كتابي برلماني حول “اختلالات سوق الكتب المدرسية شكلا ومضمونا” أنه سيتم اعتماد بدائل للنموذج الحالي للكتاب المدرسي بعد استشارة كافة المتدخلين من ناشرين وكتبيين وموزعين ومؤلفين وأساتذة، وكذا استشارة لجنة المناهج بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وأخذ رأي اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج.
قلق من ظاهرة الهدر المدرسي والجامعي وتراجع الأدوار الطلائعية للأستاذ
يشدد المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين على الدور المحوري للأستاذ والإداري في إنجاح أي مشروع تصحيح، أو إصلاح لمنظومة التربية والتكوين، ودعوة الحكومة لتجنب السياسات الارتجالية التي طبعت تدبير مجموعة من مسؤولي المنظومة، والتي سببت في تراكم خيبات الأمل وساهمت في قتل روح المبادرة والاستباقية في التدبير والتسيير وجعلت المغرب في ذيل الترتيب العالمي.
وعبر المرصد في بلاغه عن أسفه لما آلت إليه أوضاع المنظومة من اضطرابات وهدر في زمن التعلم والبحث، داعيا إلى بذل كل الجهود لتنظيم مستوى التعليم الأولي لكونه مفتاح المنظومة وهو المدخل الأساس والوحيد لوضع التلميذ في السكة الصحيحة في مساره التعليمي، وكذا تطوير سياستنا اللغوية بدءا بالأولي إلى العالي بالانفتاح على اللغات الأجنبية الإنجليزية والإسبانية والألمانية والصينية وغيرها، وتقويتها وتوزيعها جهويا.
وأكد المرصد من جديد على أن قضية التربية والتكوين؛ مسؤولية الجميع أسرة وحكومة وجماعات ترابية وأحزاب سياسية وقطاعا خاصا وعاما ومؤسسات الإعلام وتنظيمات مدنية، متسائلا عن مخرجات جلسات الحوار والتشاور التي نظمها قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، والمناظرات الجهوية التي أشرف عليها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي و الابتكار.
مطالب بتعميم تدريس مادة التربية الإسلامية
ومن جهة ثانية تطالب جمعية أساتذة التربية الإسلامية بتعميم تدريس مادة التربية الإسلامية في كل الأسلاك التعليمية بما يناسب كل مرحلة عمرية، ويستجيب لحاجاتها، ويحفظ هوية المتعلم(ة) الدينية والوطنية، والرفع من الوعاء الزمني للمادة، ومعاملها لدورها الأساس في تحقيق هدف إغناء المادة وترسيخ قيمها؛ وإسناد تدريسها إلى المتخصص في العلوم الشرعية.
كما توصي بإدراج مجزوءة “دعم التكوين الأساس في مادة التربية الإسلامية “بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لأساتذة التعليم الابتدائي، نظرا لتنوع تخصصات هذ الفئة، والمطالبة بتمثيل الجمعية في اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج، عملا بمقتضيات القانون الإطار17.51؛ وتجديد الدعوة إلى إصدار الوزارة لمذكرة منظمة للتعليم الأصيل في صيغته الجديدة، سيما وأن المذكرة الوزارية رقم 83/2008 تنص على أنه قسيم للتعليم العام، وهو ما أكده القانون الإطار في المادة 7 من الباب الثالث.
“التوحيد والإصلاح” تطالب بتعزيز القيم في المدارس وترفض اختراق التطبيع للمناهج
من جانبها، جددت لجنة التعليم للحركة دعوتها وزارةَ التربية الوطنية إلى تعزيز القيم الإسلامية والوطنية في المناهج وفي الوسط المدرسي، رافضة إقحام التطبيع مع الصهيونية وكيانها المحتل في المجال التربوي تحت ذريعة التنوع المغربي.
ونبه بيان لجنة التعليم لحركة التوحيد والإصلاح حول “الدخول المدرسي والجامعي (2023-2024)” الصادر في 25 أكتوبر 2023 إلى تنامي اختراق بعض القضايا الغريبة عن قيم المغاربة لبعض الكتب المدرسية خصوصا في مدارس البعثات أو القطاع الخاص.
وأكدت الحركة على أن إصلاح التعليم العالي ينبغي أن يتجاوز الإجراءات والتسميات الشكلية وينفذ إلى الجوهر، في احترام تام لخصوصيات وأولويات كل تخصص، في ارتباط بحاجيات المجتمع ومتطلباته.
وعن استهداف القيم في المقررات الدراسية، نبهت إلى أن المناهج والبرامج الدراسية يجب أن تبقى مؤطرة بالقيم المستمدة من الثوابت الوطنية، والمنصوص عليها في الدستور وعلى رأسها وفي مقدمتها الدين الإسلامي. وقد سجل أولياء الأمور وعدد من المتتبعين للشأن التربوي ملاحظات حول مضامين يمكن أن نصفها بالغريبة والدخيلة على قيمنا كمغاربة في بعض مؤسسات التعليم الخصوصي ومؤسسات البعثات الأجنبية التي يدرس فيها أبناء المغاربة.
وفي رسائل بمناسبة الدخول المدرسي والجامعي 2023-2024، ترى الحركة أن القائمين على الشأن التعليمي ببلدنا مهمّتهم أشد، فهم الذين يضعون البرامج ويتابعون تنزيلها ووضعها. فالمأمول فيهم ألا يجعلوا التعليم ورشا لتجريب الصيغ والأشكال التربوية، وأن يضعوا نصب أعينهم هوية الوطن التي حددها الدستور، وأن يحرصوا على الانسجام بين الرؤية والقانون الإطار، ولا يغفلوا عن التّتبّع الحثيث لسير المؤسسات التعليمية، خاصة مؤسسات البعثات الأجنبية.
ومن جهة أخرى فإن نجاح العملية التربوية رهين بردّ الاعتبار للأستاذ، وإنزاله المنزلة التي يستحقها. إن رجل التعليم لا ينتظر أن يكون من الأثرياء لأن مهنته مهنة التضحية والعطاء، لكنه يريد عيشا كريما، ويريد أن يكون مرفوع الرأس في مجتمعه وبين أقرانه وتلاميذه، يأتي قسمَه وعليه وقار وهيبة. ومن ثم فعلى القائمين على الشأن العام أن يحرصوا على إخراج قانون أساسي عادل ينصف كل الفئات ويحفز على البذل والعطاء، وأن يضعوا التحفيزات المادية التي تجعل الأستاذ أكثر فاعلية وعطاءا.