القضية الوطنية من منظور سياسي – نورالدين قربال

نظم مجلس المستشارين بالمملكة المغربية ندوة وطنية حول موضوع: البرلمان وقضية الصحراء المغربية، من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال. وقد نظمت من قبل المجموعة الموضوعاتية الموقتة المكلفة بتقديم الاستشارة حول القضية الأولى للمغرب قضية الوحدة الترابية للمملكة، وذلك يوم الإثنين 5 ماي 2025.

كانت الجلسة الافتتاحية جلسة سياسية بامتياز، حيث تضمنت كلمة رئيس مجلس المستشارين السيد محمد ولد الرشيد، وكلمة السيد لحسن حداد رئيس المجموعة الموضوعاتية ثم كلمات الأمناء العامين ورؤساء الأحزاب السياسية. مع تقديم جلستين موضوعيتين تضمنت الأولى قضية الصحراء المغربية من خلال تدبير الأمم المتحدة: المستجدات وآفاق الحل. والثانية همت الصحراء المغربية مقاربة حقوقية وتنموية. وذيلت بجلسة ثالثة همت التفاعلات والخلاصات.

إننا نثمن هذه المبادرة من قبل مجلس المستشارين التي شارك فيها ثلة من الكفاءات السياسية والعلمية مع حضور متميز. ومن أجل تفكيك المقاربة السياسية للموضوع من خلال المتدخلين، يمكن الإشارة على أن هناك ترابطا بين دينامية دبلوماسية سياسية وأخرى تنموية. هذه المبادرة النوعية أفرزت صداها على المستوى الإقليمي والدولي بتوجيهات ملكية سامية ودبلوماسية راقية تعتمد الوضوح والطموح. عمق هذا التوجه الاختيار الاستراتيجي الإفريقي وشراكة جنوب جنوب ورابح رابح.

لقد جمعت هذه المبادرة الشرعية التاريخية والسياسية، مما جعل كبار الدول تعترف بمغربية الصحراء، وتفتح أكثر من 30 قنصلية بالأقاليم الجنوبية. لقد انطلقت هذه المبادرة خاصة بعد تقديم المغرب مشروع الحكم الذاتي سنة 2007، والذي وصفته الأمم المتحدة بالواقعية والمصداقية والجدية. لكن من أجل تنشيط فضاء الترافع حول قضيتنا الوطنية هناك ضرورة ملحة للتنسيق بين كل المؤسسات لتوحيد الرؤى التي تنعكس على التنزيل السياسي، وهذا ما يتطلب من جميع المؤسسات تقديم الكفاءات وذوي الاختصاص لهذه المهام الوطنية الاستراتيجية كما ورد في الخطاب الملكي بالبرلمان.

لقد مرت 50 سنة على قضيتنا الوطنية منذ المسيرة الخضراء سنة 1975 التي نادى بها الراحل الحسن الثاني رحمه الله. لذلك آن الأوان والكل مقتنع بهذا أخذ المبادرات بكل حزم ويقظة وانفتاح كما هو معهود على المغرب. وقد شكل الإطار المؤسساتي الأطلسي نموذجا لهذ الدينامية التي ضمت 23 دولة إفريقية إضافة إلى انخراط دول الساحل في هذا الورش الاستراتيجي.

إن ما يقوم به البرلمان دبلوماسية موازية تصنع التكامل بين سياسيات عمومية رسمية في الموضوع، والمنهجية المرنة البرلمانية التي تتحرك في أفق سلس، من تم هناك ضرورة ملحة لدعم الرسمي للمبادرات الموازية حتى نحقق النقلة النوعية من التدبير إلى التغيير حسب المنطوق الملكي. الذي يتجلى في الأمن والاستقرار والنمو المطرد. لأن المبادرة المغربية مؤطرة ومؤصلة، وفي هرم هذا التأصيل البيعة التي تربط بين الحكام والمحكومين على ممر التاريخ، لذلك لا بد من عودة أخواتنا وإخواننا المحتجزين من قبل نظام عنيد يدبر أمرهم بالنار والحديد.

إن القضية الوطنية قضية عادلة ومصيرية، لذلك اعترفت بمغربية الصحراء دول لها دراية بالقضية جيدا ولها صيت على المستوى الأممي. لذلك عرفت قضيتنا الوطنية تحولات كبيرة بسبب العمل الجماعي المتواصل، وكون العالم يتقلب نتيجة أحداث عالمية فإن اليقظة واجبة إضافة إلى مواصلة الجهود. خاصة أن الضفة الأخرى تطرح أفكارا بالية أكل الدهر عليها وشرب. هذه الأفكار تؤثر في الشعب الجزائري سلبا وتعيق الوحدة المغاربية. رغم كل هذا فقد رفعت الخطابات الملكية مبدأ اليد الممدودة. في نفس الوقت استمر العمل المشترك للدفاع عن وحدتنا الترابية، في هذا الإطار من الواجب أن تميز الأمم المتحدة بينما هو قطعي في الكلام والمواقف والذي وصفته بالمصداقية والجدية والواقعية وبينما هو ظني وفراغ تشريعي الذي يعتمد التأويلات غير الواقعية.

في هذا الإطار نؤكد على استمرارية التفاوض على مشروع الحكم الذاتي من خلال الموائد المستديرة، واعتماد الذكاء والتريث أثناء التحيين. في نفس الوقت نجتهد في تطوير مبدأي اللامركزية واللاتمركز في إطار الجهوية نظريا وعمليا من أجل تحضير الوعاء التشريعي والعملي لتنزيل مشروع الحكم الذاتي.

إن معركتنا وجودية وليست حدودية فحسب، في سياق متغير عالميا ومضطرب إقليميا. مما يحتم علينا احترام معايير أثناء الترافع، نحو الوعي التاريخي والديني والقبلي والاجتماعي والأنثروبولوجي، والحق في الدفاع عن حدودنا بالطرق المناسبة لأنه لكل مقام مقال. مع أخذ الحذر من فكرة التقسيم والقرات التي تصدر أحيانا من قبل محكمة العدل الأوربية، ومحاولة إعاقة الحضور المغربي بإفريقية، والسعي إلى عزل المغرب عن محيطه العربي والإسلامي، وعرقلة المشروع التنموي بالقارة الإفريقية. إذن نحن في حاجة إلى سردية جديدة تستلهم من التراث وتستشرف الأفق والمستقبل فكرا وحركة وتنزيلا وممارسة.

إن القرارات تمت عقلنتها منذ 2007 على المستوى الأممي، لذلك من الواجب أن نبذل مجهودا أكبر لإقناع كل الدول الإفريقية بمشروعنا الوحدوي وعلاقته بالتنمية الإفريقية، من أجل طرد الانفصاليين من الاتحاد الإفريقي كما أشار إليه الخطاب الملكي بتصحيح الخطأ التاريخي، وإنهاء طرح القضية في اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة، واسترجاع الأراضي المعزولة حتى لا تفهم عند الخصوم بالمحررة، خاصة وأن الانفصاليين تحرروا من القرار الأممي الداعي إلى وقف إطلاق النار منذ 1991، كما نؤكد على إعادة الأدوار الحقيقية للمينورسوطبقا للمستجدات التي عرفتها  القضية والتي نأمل أن يطوى هذا الملف قريبا.

لكن هناك عوامل أخرى مساعدة على رقي مبدأ الترافع هو التمازج بينما هو ديبلوماسي إقليميا ودوليا والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية داخل المغرب. ولن يستكمل هذا الورش إلا باحترام الاختيار الديمقراطي الذي هو من ثوابت الأمة المغربية. لأنه هناك علاقة عضوية بين الوحدة الوطنية والمشروع الديمقراطي الداخلي. الذي يتضمن الحرية والكرامة، والمواطنة والديمقراطية التشاركية، أي البناء الديمقراطي الذي يتطلب النضال والشراكة.

إن مفهوم تقرير المصير يتخذ أشكالا متعددة في القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي حتى لا يزايد علينا خصوم وحدتنا الترابية، ومشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يتضمن هذا المبدأ. وكون جلالة الملك يعتبر وحدتنا الوطنية في نفس المستوى مع القضية الفلسطينية فقد يطرح سؤال حول جدوى تجديد التواصل مع كيان بشهادة الجميع يمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي؟ إننا في حاجة إلى تطوير ملفنا القانوني دوليا خاصة في حالة النوازل التي تفاجئنا أحيانا كما وقع مع محكمة العدل الأوربية.

إن الحقيقة اليوم تفسر أن معركتنا ليس مع الجبهة بالوكالة ولكن مع النظام العسكري الجزائري الذي يستطيع أن يبيع كل ما يملك من أجل مواجهة المغرب للأسف الشديد. لذلك يجب الاستثمار في الموارد البشرية لكي نحدث التوازن بين الرأسمال المادي وغير المادي كما أكد على ذلك جلالة الملك، بذلك نؤسس للثقة بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية والسياسية والمدنية في إطار التكامل بين التمثيلية والتشاركية، ويبقى الرهان على الإرادة السياسية للإصلاح والترافع من أجل قضايانا الوطنية إقليميا ودوليا تحت الإشراف الفعلي لجلالة الملك حفظه الله.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى