القضية الوطنية مقاربة اقتراحية – نورالدين قربال

من الأمور البديهية أن القضية الوطنية خطت خطوات مهمة واستراتيجية على جميع الأصعدة. مما جعل بعض المتتبعين يتنبأ بإغلاق ملف هذا النزاع الإقليمي في أقرب الآجال، خاصة بعد اعتراف ثلاث دول دائمة في مجلس الأمن: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا. أما الصين فأصبح تصويتها الأممي إيجابيا نظرا للتطور الاقتصادي والتبادل التجاري بينها وبين المغرب، خاصة بعد الزيارة الملكية التاريخية للصين سنة 2016. أما روسيا فمواقفها أضحت مرنة وإذا حصل التصويت بالامتناع فهو تصويت سياسي وليس تصويتا مبدئيا بحجة أن المسودة توضع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. هذا ما يفسر استمرارية الحرب الباردة بين الدولتين لكن بثوب جديد نظرا للتباين في السياقات.

لكن هذا لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات المتوجة باقتراحات مساعدة لتطوير الإطار الدبلوماسي والسياسي لقضيتنا الوطنية. 

إن الصمود والاستمرارية واليقظة كلها آليات لا بد من استحضارها في كل خطوة، صحيح أن الانفتاح والتفاوض مشروع لكن دون التغاضي عن الحكمة المألوفة “ما حك جلدك مثل ظفرك”. لان خيوط المؤامرة متنوعة ولولاها لما عمر هذا النزاع الإقليمي المفتعل أكثر من خمسين سنة، يبدو لي أن المعركة المقبلة يجب أن تنصب على سحب ملف الصحراء المغربية من اللجنة الرابعة. لأن المستوى الدبلوماسي الذي حققه المغرب لا يتناغم مع هذا الوضع الأممي. النقطة الثانية هو العمل سويا على إبعاد عضوية الجمهورية المزعومة من الاتحاد الإفريقي، لأن هناك فرقا كبيرا بين سياق 1984 و2025. خاصة أن هذا الجسم الغريب لا يتوفر على شروط قانونية دولية لوجوده، فهو منبوذ في الأمم المتحدة، والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وعلى المستوى الأوربي وغيرها من المنظمات، إذن مزيدا من النضال القانوني لتحقيق هذا الهدف. 

ثالثا لا بد من التعامل مع الأحزاب الأوربية حسب المرجعية والمعيارية، لأن المواقف تتغير حسب ما ذكرناه، والمؤشر على ذلك تأثير الأحزاب السياسية على البرلمان الأوربي، هذا ما وقع لمحكمة العدل الأوربية التي أصدرت قرارات تجعل الاتفاقيات المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوربي التي تشمل مناطقنا الجنوبية غير مشروعة. لكن يقظة المغرب جعل دول أوربية كثيرة تدين هذه القرارات مع استمرار العلاقات الطبيعية بين المغرب والاتحاد الأوربي. ناهيك على أن قرارات قارية لا يمكن أن تنسخ قرارات دولية. بل أكثر من ذلك ليس من حق مؤسسة قضائية قارية أن تتدخل في اتفاقيات دولية للاتحاد مع دولة خارج القارة الأوربية، وهذا انزلاق قضائي لمحكمة العدل الأوربية.

القضية الرابعة متعلقة بالفضاء المغاربي، الذي يعج بالاضطرابات على مستويات عدة، ويعقد النظام الجزائري هذا الوضع المتأزم في تخصيص ميزانيات ضخمة للتسلح تفوق 25 مليار دولار. ومن الواجب على المغرب الحضاري المتسم بالوسطية والاعتدال ألا يسقط في حرب مع هؤلاء لأنها سوف لا تخدم إلا من يحركون هذا الملف دوليا. لكن في نفس الوقت لا يتسامح مع من سولت له نفسه المس بسيادة المغرب على أرضه. كما وقع في تأمين ممر الكركرات. 

الأهم من هذا كله كيف نحن من القضية الوطنية؟ فهي قضية الجميع كما تؤكد الخطابات الملكية. لذلك نقترح وضع برامج مشتركة بين الدولة والمجتمع. نعتبرها كحد أدنى للتأهيل والتكوين وكسب مهارات معرفية وتطبيقية في التعامل مع قضيتنا الوطنية. 

نقطة استراتيجية كذلك تتجلى في تمثل المقتضيات الدستورية التي تنص على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة. يبدو لي أن تنزيل هذا المقتضى يحتاج إلى مجهود كبير، باستثناء جهات المناطق الجنوبية التي تعرف تطورا يليق بالجدلية الحاصلة بين الجهوية المتقدمة وتنزيل مشروع الحكم الذاتي، وهذا مؤشر على التناغم مع الترافع العلمي والمهني من أجل نصرة القضية الوطنية. بحجة أن الترافع يتداخل فيه ما هو محلي، وإقليمي وأممي وجيواستراتيجي.

إن شرعية القضية الوطنية مرتبطة بالاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من ثوابت الأمة إلى جانب الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية. إن التناغم بين هذه الثوابت ضرورة سياسية و معرفية ومنهجية وتنظيمية واجتماعية وحضارية. 

من خلال ندوة نظمت بمجلس المستشارين بماي 2025 استنبطت من المحور السياسي ما يلي:

-استشعار البعد المبدئي للقضية الوطنية.

– وحدة الصف خيار استراتيجي.

– اعتماد أنظمة استثنائية في الموضوع. 

-الجمع بين التمثيلية والكفاءة للترافع حول القضية الوطنية.

– الوعي بأطوار القضية خاصة على المستوى التاريخي والقانوني.

-التلازم بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.

من القضايا المقترحة كذلك هو تعزيز العلاقة وتوطيدها مع روسيا والصين والجارة الموريتانية التي بذلت مجهودا كبيرا في الدفاع عن الحل السياسي رغم ضغوطات النظام الجزائري، أما تعاملها مع الجبهة فقد اتخذ بعدا يتسم بالحزم واليقظة. للإشارة فإن روسيا ستترأس مجلس الأمن خلال شهر أكتوبر، مما يراهن النظام الجزائري على مكاسب، لكن البنية التحتية الدبلوماسية بين المغرب وروسيا مضبوطة بعلاقات راقية على مستويات عدة.

هناك اقتراح آخر هو التركيز على الأبعاد الثقافية والفكرية، لأن المشاريع التنموية مرتبطة بالوحدة الفكرية والثقافية، لأن هناك جدلية بين الفكر والتنمية. في هذا الإطار لابد من التنسيق مع المعارضة داخل مخيمات تندوف خاصة “صحراويون من أجل السلام” الذين حضروا لأول مرة في ملتقى الأممية الاشتراكية التي كانت حكرا على حضور خصوم وحدتنا الترابية. 

لقد أعطى جلالة الملك رسائل إيجابية للجزائر من أجل تطبيع العلاقة على أسس الحكمة والوحدة لأن المشترك كثير، بهذا نؤكد على أن البحث عن وسائل ذكية من أجل تقليص مسافات الاضطراب الحاصلة اليوم. هذا مؤشر على إنهاء هذا المشكل الإقليمي بأقل كلفة مادية ومعنوية. نتمنى من الجارة أن يركب صهوة التقارب والتفاهم وما ذلك على الله بعزيز إذا توفر حسن النية والحكمة والإرادة الراقية والتفكير في المصلحة العامة إقليميا ووطنيا ودوليا.

إن السيناريوهات المطروحة الحرب وهذا مستبعد لأنها لا تبقي ولا تذر. أما تقرير المصير هو متضمن في مشروع الحكم الذاتي لذلك لا بد من توسيع النقاش في مضامين الحكم الذاتي وتحيين ما يمكن تحيينه. أما الاستفتاء فهو مستحيل حسب استنتاج فالسوم الممثل الأممي السابق، والعلة واضحة أنه أصبح متجاوزا بالنسبة للأمم المتحدة لأن التوافق على اللوائح مستحيل ونفس المقدمات تفضي إلى نفس النتائج. إذن الحل واضح مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية وهذا هو عين الصواب لأنه جدي وواقعي وذي مصداقية ويرضي كل الأطراف إلا من أبى.

ثمة مقترح آخر متعلق بالشأن الديني انطلاقا من مبدأي الوسطية والاعتدال، والتسامح الديني، وغيرها من القيم الدينية التي تتناغم مع القيم الكونية من باب الترابط العضوي بين صحيح المنقول وصريح المعقول.

لقد لخص جلالة الملك هذه المقاربة في دعوته إلى الانتقال من التدبير إلى التغيير، لأن المعركة وجودية أكثر مما هي حدودية. لذلك اعتبرها جلالته النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم. هذه البوصلة الواضحة هي المعيار التي يقاس بها صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.

لهذه الاعتبارات هناك ضرورة ملحة لدعم الثقة بين كل المؤسسات، وتجاوز مقاربات رد الفعل إلى مقاربة المبادرة والحزم والاستباقية. 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى