العمل السياسي بين المغنم والمغرم – عبد الواحد رزاقي
حينما يختلط الهدف مع الوسيلة والغاية مع المنهج يختل ميزان الاجتماع البشري عموما والمنظمة أو الهيئة على سبيل الخصوص. والذي يعيش في واقع المجتمع يلاحظ بأن الهيئة حينما تكون في مقام الحكم والتدبير يكون الإقبال عليها كبيرا وتكون مركز استقطاب شديد الكل يدعي وصله بها وانتماءه إليها أو على الأقل تعاطفه معها. والعكس صحيح حينما تكون في إدبار ونكوص وتراجع او سقوط حتى، يتساقط الكثير من المناضلين كأوراق التوت ومنهم من يعلن براءته منها ويتحاشى الحديث عنها وكأنها وصمة عار على جبينه. ويكون الأمر أدهى وأمر عندما تنطلي هذه الآفة على المؤسسين الراسخين في التنظيم.
حينما يفر المسؤول القدوة ويتوارى عن الأنظار ويرجع إلى الصفوف الخلفية، فتلك طامة كبرى ومصيبة عظمى فماذا ترك القائد للتابع وهل نطمع في راكب من ركاب قطار الهيئة رغبا أو رهبا أن يحافظ على التنظيم، والسائق غادر كرسي القيادة في موقف مخز وبعيد عن المروءة ؟ أليس هذا فرارا من الزحف؟ أليس الهروب من المسؤولية خيانة لله ورسوله؟(1)
إنه ليصيبك من القرف والامتعاض الشيء الكثير حين ترى مؤسسا لهيئة سواء كانت حزبا أو نقابة أو جمعية ينسحب انسحابا غامضا وهو الذي كان وزيرا أو برلمانيا أو رئيس جهة أو جماعة….ألا يصدق عليه صفة الموالي الذي استفاد من مغانم المنصب وأكل من مكانته ملء شدقيه وحينما تراجع تنظيمه بفعل عوامل ذاتية أساسية وموضوعية داعمة، تصرف وكأنه لم يسبق له الانخراط فيه بل ينسى أنه أحد أساطينه وشيوخه. وقد يكون هذا النوع البشري ملزما بمجموعة من الالتزامات تجاه تنظيمه وعليه ديون في رقبته لم يسددها وعهودا لم يوف بها، فكيف بمن لم يلتزم مع هيئته أن يلتزم مع عموم المواطنين؟
ويمكن فهم هذا التصرف المشين (الانسحاب غير المبرر) في إطار بعض المبررات، كخلاف مع القيادة أو مع بعض أعضائها ولكن هذا المبرر يبدو غير مقنع لأن الاختلاف في التفكير والرأي طبيعي ووارد في التجمعات البشرية بل ومطلوب وصحي مصداقا لقول الله تعالى:”ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم”(2) ، وللحكمة القائلة:”إذا تزاحمت العقول خرج الصواب”. ثم إذا كان كلما خالفنا الرأي أحد أو خالفناه أو اعترض على تصرف منا أو اعترضنا عليه، نغادر التجمع وننسحب فلن تقوم للمجتمع قائمة وستتعطل مصالح العباد.وقد قيل:” اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”.
مثل هذا وقع في فجر الدولة الإسلامية حينما كان الإسلام في إقبال دخل الناس في دين الله أفواجا وحتى من لم يقتنع بدين الله دخله خوفا على نفسه وسيرا على موافقة التوجه العام للمجتمع الإسلامي وهذا ما سمي بالمنافقين. وحينما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد كثير من الأعراب بسبب منع زكاة أموالهم معتقدين أن الزكاة كانت تقدم لرسول الله شخصيا، متناسين أنها فرض من فرائض الإسلام. ولذلك أعلنها سيدنا أبوبكر حربا على مانعي الزكاة معتبرا فعلهم ردة عن الإسلام وجب قتالهم عليها. فهل بهذا المنطق نعتز بإسلامنا إذا كان متصدرا وفي المراتب الأمامية، وننسحب منه إذا اقتضت حكمة الله أن يمر بمرحلة ابتلاء واستضعاف؟
هوامش:
1 – ورد في الحديث أن من السبع الموبقات التولي يوم الزحف والهروب من ساحة القتال.
2 – سورة هود الآية 118