العدوني يكتب : النموذج التنموي فرصة أخرى لتجديد الثقة والأمل

يتابع عدد من المغاربة بترقب وأمل كبيرين منذ أسابيع أشغال اللجنة المكلفة بإعداد تصور حول النموذج التنموي الجديد، مشاعر الأمل والترقب منبعثة من التجارب التي عرفها تاريخ المغرب مع مختلف اللجان والاستشارات الوطنية المختلفة ومآلاتها سواء الإيجابية منها أو السلبية.

فما السبيل لتبديد التخوف الشعبي والمجتمعي من خوض تجربة أخرى غير مضمونة العواقب؟ وكيف يمكن تجديد الثقة والأمل في النموذج المنشود ؟

إن نجاح التجربة الجديدة لا يرتبط  فقط بجودة الأفكار والمقترحات التي ستقوم اللجنة بتركيبها وصياغتها على ضوء الاستماع لمختلف القوى الحية ببلادنا، بل يرتبط أيضا بطريقة وأسلوب اشتغال اللجنة المعنية، وأيضا بالأجواء العامة والمناخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تشتغل فيها .

لقد راكم المغاربة في العقدين الأخيرين تجارب عديدة في تكليف لجان معينة بإنجاز تقارير أو رؤى مختلفة من قبيل اللجنة الملكية المكلفة بإصلاح التعليم، اللجنة المكلفة بالجهوية المتقدمة، الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، الحوار الوطني حول المجتمع المدني…. ولعل أبرزها اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة الدستور… وتلك التجارب جديرة بالتقييم واستثمار إيجابياتها وتجاوز سلبياتها !!.

إن أول ما يجب التأكيد عليه أن هذه اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي ليست فوق الدستور، ولا فوق الهيئات المنتخبة التي تمثل الإرادة الشعبية، كما أنها ليست بديلا عنها… بل هي آلية دعم وظيفية مهمتها إسناد النموذج التنموي وتقديم رؤية تستفيد منها مختلف المؤسسات.

فضلا عن ذلك فإن عملها فرصة وطنية كبرى لإحياء الأمل من جديد خاصة بعد الأحداث التي عرفتها بلادنا منذ سنوات من احتجاجات وارتفاع الطلب الاجتماعي والحقوقي وفي ظل سياق إقليمي ودولي يطبعه التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار.

وتبعا لذلك فإن نجاح اللجنة في مهمتها رهين للأسلوب الذي تنتهجه في أعمالها، وفي مقدمتها ما كرسه الدستور من ثوابت واختيارات وجب احترامها والعمل في إطارها، وأيضا إعمال مقاربة تشاركية من خلال الاستماع لمختلف مكونات المجتمع المغربي، سواء من مؤسسات رسمية أو أحزاب سياسية أو نقابات عمالية أو جمعيات ومنظمات وحركات مدنية….

ذلك أن الرهان على النموذج التنموي ليس مجرد حزمة إجراءات اقتصادية أو سياسات قطاعية، بل هو قريب من المشروع المجتمعي الذي يبنى على القيم والثوابت الجامعة – على غرار مختلف النماذج التنموية الناجحة اليوم التي تحتل فيها الهوية والقيم مكانة محورية- ، ويؤسس عليها لمجتمع تسوده الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ويعزز من تنافسية الاقتصاد الوطني ويرسخ الإشعاع الحضاري لنموذج مغربي أصيل.

كما أن نجاح عمل اللجنة رهين بتوفير مناخ سياسي واجتماعي واقتصادي ملائم، وهو ما يستدعي من الدولة والحكومة ومختلف الفاعلين إطلاق إشارات من شانها إنعاش هذا المناخ، من قبيل تعزيز السلم الاجتماعي، وتوفير شروط مصالحة حقوقية جديدة، واحترام مساهمات مختلف الفعاليات الوطنية، والجدية في التعاطي مع مقترحات الهيئات الوطنية المعتبرة، دون إغفال انخراط الإعلام العمومي في الحوار حول موضوع النموذج التنموي الجديد، وفسح المجال أمام مختلف الرؤى بما فيها تلك التي لا تتفق مع هذه الخطوة .

تلك هي بعض الشروط الأساسية لنجاح التجربة الجديدة، حتى لا تتكرر الأخطاء، ولا نعيد إنتاج الفشل، وحتى لا يخلف المغرب موعده مع هذا الاستحقاق الجديد، وحتى يتمكن المغاربة من استثمار هذه الفرصة الجديدة وكسب رهاناتها وتجنب مخاطرها … ومن أسوء مخاطرها أن تتبدد الآمال في إمكانية الإصلاح !

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى