الصمت العربي والإسلامي اتجاه غزة من حياد قاتل إلى تواطؤ فاعل – عبدالهادي باباخويا

منذ انطلاق طوفان الأقصى المبارك، ومع تجدد العدوان الصهيوني على قطاع غزة بشكل خاص، ومع سقوط آلاف الشهداء والجرحى، ومع تدمير البنى التحتية من طرق ومستشفيات ومدارس ومخيمات.. لم تُسجل معظم الأنظمة العربية والإسلامية سوى بيانات مترددة أو صمت مطبق، بينما تمضي آلة الحرب الصهيونية في الإبادة الجماعية المعلنة بمختلف الطرق والوسائل، غير عابئة بالرأي العام العالمي ولا بالقانون الدولي، ولا بأمة المليار نسمة..
في هذا السياق، يطرح الوضع الحالي إشكالية خطيرة: هل أصبح الصمت العربي والإسلامي الرسمي والشعبي، أداة فعّالة بيد العدو لتوسيع عدوانه؟ وكيف يمكن كسر هذا الصمت وتحويله إلى موقف داعم، على الأقل في حدوده الدنيا..؟
أولا- الصمت العربي والإسلامي الرسمي بين الارتباك والتطبيع:
كل من يتابع الشأن الفلسطيني يلاحظ أن غالبية الأنظمة العربية والإسلامية تتبنى موقفا رماديا، يراوح بين “الدعوة لضبط النفس” و”القلق من التصعيد”، وهي عبارات باتت مألوفة في أدبيات البيانات الرسمية، خصوصًا من تلك الدول التي تُقيم علاقات دبلوماسية علنية أو سرية مع العدو الصهيوني.
ويرجع هذا الصمت -عند أغلب المحللين- ليس لحالة العجز التي تعيشها هذه الأنظمة فقط، بل إلى نتيجة اختلال الأولويات وغياب الإرادة السياسية، إذ باتت بعض العواصم العربية والإسلامية، تعتبر دعم المقاومة تهديدا لاستقرارها الداخلي أو لعلاقاتها مع أمريكا. إذ مع كل عدوان صهيوني على الإخوة بفلسطين، تمتنع أغلب الدول العربية والإسلامية عن الإدانة الصريحة للعدوان، فيما تنشغل وسائل إعلامها بقضايا ترفيهية تافهة أو نزاعات داخلية بسيطة..
ثانيا- الصمت في ميزان العدو الصهيوني:
ينظر الكيان الصهيوني لهذا الصمت نظرة استراتيجية، يحقق من خلالها خطوات تجعله أقوى وتجنبه الهزيمة المتوقعة. فهو يرى في هذا الصمت:
- موافقة ضمنية على عملياته.
- ساحة فراغ تسمح له باحتكار الخطاب الإعلامي والدبلوماسي.
- انهيارا لمعسكر الممانعة العربي التقليدي، مما يمنحه يدًا حرة في التفاوض مع القوى الكبرى.
ولعل تصريح وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في أكتوبر 2023 يعكس هذه الثقة: “نحن لا نخشى المواقف العربية، فهي لا تتجاوز الكلمات.”
ثالثا- مأزق الشعوب العربية والإسلامية: بين الوعي المقيد والصوت المقموع
الشعوب العربية والإسلامية في مجملها، لا تزال تنبض بالتعاطف والتضامن، وهو ما تجسده المظاهرات والوقفات رغم القمع، وحملات التبرع بكل الأشكال رغم التضييق، لكنّ غياب المؤسسات الوسيطة (نقابات مخلصة، أحزاب قوية، إعلام مستقل) يجعل هذا التضامن موسميًا وضعيف التأثير. حيث نلاحظ مثلا في المغرب وبعض الدول العربية التي شهدت ساحاتها احتجاجات ضخمة بعد مجازر غزة، لكنّ غياب الدعم الرسمي لها جعل أثرها محدودا أمام الآلة الدبلوماسية والإعلامية الصهيونية.
رابعا- التحول من الصمت إلى التواطؤ
حين لا يصدر موقف عربي وإسلامي قوي في ظل ما يجري من عدوان، فإنّ الصمت لا يُقرأ كـ”تحفّظ”، بل يتحوّل إلى غطاء سياسي للعدوان. بل إن بعض الدول العربية ذهبت إلى أبعد من الصمت، حيث شاركت في تشويه صورة المقاومة، ومنعت كل الفعاليات الداعمة لفلسطين تحت ذرائع مختلفة. ففي الوقت الذي تقصف فيه المدارس وتتعرض المستشفيات للإبادة، تمنع وقفات داعمة لغزة في عدة دول عربية بدعوى “عدم الإخلال بالنظام العام”..
لذلك نعتقد أن:
- الصمت العربي لم يعد موقفًا سلبيًا، بل أداة فاعلة يستخدمها العدو ّالصهيوني لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية.
- هذا الصمت وفّر شرعية ضمنية للعدوان، وترك الفلسطينيين في عزلة سياسية.
- الشعوب ما زالت تقاوم، لكن الأنظمة تمنع ترجمة هذا التضامن إلى فعلٍ مؤثر.
وأمام هذا الوضع المخزي، مطلوب منا عاجلا كشعوب حية ومنظمات مدنية ونخب وطنية هو:
- تفعيل دور المجتمع المدني ليقود حراكًا شعبيًا ضاغطًا على الحكومات.
- دعم إعلام المقاومة ومقاطعة الإعلام المتواطئ، وفضح الرواية الصهيونية المضلِّلة.
- تبنّي خطاب دبلوماسي شعبي عبر بيانات المثقفين وكتابات الأكاديميين ونضالات النقابات.
- إحياء حملات المقاطعة الإقتصادية والثقافية وتوسيعها على المستوى الشعبي.
وختاما، فإن قصف غزة هو انتهاك لكرامة الأمة، وإن صمت الأنظمة عما يجري، هو إشارة للعدو الصهيوني تسمح له، بأن يكتب رواية النصر وحده في هذه المعركة المصيرية.. ونحن اليوم في حاجة ماسة إلى صحوة ضمير الأمة ويقظة وعيها الجمعي، لتجاوز خيانة السكوت وجريمة الحياد وخذلان التواطؤ. وإن لم نتدارك الأمر بسرعة، فخوفنا في المستقبل القريب أن لا تكون هناك قضية لنصمت من أجلها.