الدينامية المغربية بإفريقيا والقضية الوطنية – نورالدين قربال

انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984، بسبب إقحام كل من الجزائر وغيرها كيانا وهميا مزعوما من أجل خلق مشاكل للمغرب، لكن استطاع المغرب أن يتجاوز هذا المنعطف التاريخي بتوطيد العلاقات الثنائية مع مجموعة من الدول الإفريقية. وقد أشار جلالة الملك محمد السادس في خطاباته أن المغرب له أكثر من 1000 اتفاقية منذ سنة 2002مع الدول الشقيقة الإفريقية. أما بعد العودة إلى الإتحاد الإفريقي فيمكن الحديث على أكثر من 2000 اتفاقية ثنائية ومتعددة الأطراف نظرا للمكانة التي يتميز بها المغرب بهذه القارة الإفريقية.
كان المغرب دوما فاعلا في منتدى التعاون الصيني الإفريقي الذي يعمر منذ 2000، حيث وقعت شراكات استراتيجية همت السيادة الاقتصادية بالقارة وبناء الطرق والسكك الحديدية والمطارات والموانئ والسدود الكهرومائية والنمو الصناعي والزراعة والبنية الرقمية والتدريب المهني والتعاون الجامعي والصحة والتجارة وغيرها. بعد الزيارة الملكية للصين سنة 2016 تطورت العلاقات الاستراتيجية مع هذه الدولة مما انعكس على البلدين سياسيا واقتصاديا خاصة ما يهم الموقف الصيني الأممي لقضيتنا الوطنية. لقد وقعت الصين مؤخرا شراكات مع المغرب على مستوى الصناعة الدوائية وإنتاج الأدوية والخبرات التكنولوجية.
لقد أبدع المغرب رفقة دول شقيقة إفريقية المنتدى الأطلسية، والذي يضم حوالي 23 دولة إضافة إلى دول الساحل، سيشمل التعاون الأطلسي السياسة والأمن والاقتصاد خاصة الأزرق والربط البحري والطاقة والتنمية المستدامة والبيئة. مع التركيز على أولوية السلم والاستقرار والازدهار. لقد اتفق أعضاء المنتدى على لقاء بنيويورك بشتنبر 2025 على هامش الدور 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
يراهن خصوم وحدثنا الترابية على ترؤس روسيا مجلس الأمن الدولي خلال شهر أكتوبر 2025، لكن الذي يجهلونه للأسف الشديد أن الكورباتشوفية غيرت المفاهيم لدى روسيا واعتمدت بروسترويكا جديدة تجاوزت فيه البعد الأيديولوجي الضيق إلى رحابة النفعية والمصلحية، في إطار توازن دولي مساهمة في التشكل الجيوستراتيجي الجديد بعد الحرب الأكرانية وآفاق القضية الفلسطينية. لذلك فهي لا تمانع في استحضار مشروع الحكم الذاتي، والمؤشر تصويتها الإيجابي بالأمم المتحدة، وعدم اعترافها قط بالدولة المزعومة، إذن هل يعي خصوم الوحدة بالجيوسياسي الذي يتشكل اليوم؟
مما أزم هؤلاء الخصوم هو النجاح الكبير الذي حققه المنتدى البرلماني الاقتصادي المغربي-الموريتاني. الذي شمل اتفاقا ثنائيا استراتيجيا يهم التعاون في المجالات التالية: مناخ الأعمال، تربية المواشي، نقل الخبرات التكنولوجية، توفير فرص العمل، الأمن الغذائي، الصيد البحري، العملة الصعبة، التأهيل المهني، الزراعة، البيطرة وغيرها من المجالات نحو الاستثمار وتنقل الأشخاص والبضائع، والأهم هو الحكامة والتدبير، وفي هذا الإطار تشكلت آلية للمتابعة والتقويم خاصة على مستوى التوصيات والمقترحات والمخرجات.
إن هذه الحساسية العدائية لخصوم وحتنا الترابية، جعلتهم يشنون حربا ضد المغرب الذي قدم رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لجائزة منديلا لحقوق الإنسان على مستوى الأمم المتحدة. لما حققته لجان هذا المجلس على المستوى الحقوقي بأقاليمنا الجنوبية حيث أصبحث تقاريرها معتمدة من قبل المنظمات الدولية. إذن خصوم وحدتنا الترابية يستهدفون الأستاذة بوعياش المرشحة لهذه الجائزة.
العلة في ذلك أن خصوم وحدتنا الترابية فشلوا في ضبط وحسن تدبير الحريات والحقوق داخل المخيمات. نستحضر العنف الذي عرفته خلال الثمانينات، والاحتجاجات التي تعرفها مؤتمرات الجبهة، وتبرز تقارير “صحراويون من أجل السلام” هذا التجاوز الذي يتحمل فيه النظام العسكري الجزائري كل المسؤولية. كما يواجهون الأزمة الفكرية الرجعية لدى مسؤولي الجبهة، لذلك تمنع المنظمات الدولية الدخول إلى هذه المخيمات والقيام على الأقل بإحصاء الساكنة الذين يعتبرون محتجزين لدى النظام الجزائري وليسوا لاجئين.
مما جعل الخصوم كذلك يشنون هذا العداء -على دولة جارة تمد دوما يد المصالحة لكن لا حياة لمن تنادي- هو الامتداد الاقتصادي للمغرب بالقارة الإفريقية بالتعاون مع الإخوة والأشقاء. فحسب AFRICA’S TOP COMPANIES 2025. أن 15 شركة مغربية ضمن 250 شركة قوية بإفريقيا، و2 من ضمن 20 الأوائل. همت هذه الشركات العمل بالتعاون مع الدول الإفريقية في إطار جنوب-جنوب ورابح-رابح في المجالات التالية: الأبناك والاتصالات والمناجم والصحة والإسمنت والتأمين والطاقة وغيرها.
لقد اقتنع مجموعة من المفكرين الأفارقة أن إشكالية التنمية بإفريقيا مرتبطة بالبعد الفكري والثقافي. لذلك اجتمع مفكرون بمدينة العيون بأقاليمنا الجنوبية بماي 2025، من أجل التفكير بصوت عال من أجل تعزيز الوعي والتعاون والعمل المشترك خدمة للتنمية. فكيف ننتقل إلى فكر التنمية وحب الانتماء والعمل المشترك المفضي للتقدم والازدهار؟
جوابا على هذه الأسئلة الحارقة تأسس المركز الإفريقي لدراسات التحرر والتنمية، وسيعمل هذا المركز على المساهمة في التأصيل والإنتاج والتوعية والعمل على الاستفادة من منظومة التحرر للبناء التنموي مما يحتم مراجعات في الخطابات السياسية، وتوظيف رسائل إعلامية هادفة، وكل ما يمكن المساهمة في بناء هوية إفريقية. لعل هذا العمل يجمع دول الساحل والمغرب الكبير، بالتالي لا بد من تطوير الدبلوماسية الرسمية والموازية في إطار التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والتشاركية.